ألهبت صحافتنا ظهر شرطتنا بعدما رأت صورة لفتاة نفذت فيها شرطة المحاكم عقوبة الجلد.. كان ذلك في يوليو من العام 2009م ولم تظهر الصورة في «اليوتيوب» إلا في الأيام القليلة الفائتة تحت عنوان «البشير يجلد النساء» ويبدو أن تسريبات «ويكيليكس» قد أغرت «المصور» وهو في تقديري الشخصي قد يكون من أفراد الشرطة أو آخر ممن لهم «صفة رسمية» في ذلك الموقف لأن التصوير كان واضحاً «وغير مسترق» ولقطاته متتابعة مما يدل على اطمئنان المصور وهو يُصوّر «على عينك يا تاجر» ويقف في الزاوية التي يقف عندها رجال الشرطة مواجهاً لمسرح الحدث وقد ظهرت صورة الشرطي «قدو قدو» وهو غير مُكلّف بتنفيذ الحكم.. لكن «شالتو الهاشمية» ودخل الساحة «وأدى الحلبية سوطين» فناداه زميله «تعال يا قدو قدو» فرجع.. وصوت يقول وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين!! ياله من استدلال غير موفق.. ü ولمّا كنّا من ذوي القلوب الرهيفة خاصة تجاه النساء فقد أوجع قلبي قولها «واي يا يُمه».. ترددها.. وغاظني دخول الكادر في خلفية الصورة وفيها علم السودان عالي يرفرف فوق السارية والسور الحديدي المكشوف الذي اكتظ خارجه الفضوليون.. ثم التعلقيات المغرضة التي تتهم السيّد رئيس الجمهورية وتلصق به الحادثة وكأنه المُشرّع الذي اعتمد الجلد حداً أو تعزيراً.. أو أنه الشرطي الذي فتح البلاغ.. وإنه وكيل النيابة الذي تحرى وحقق أو إن سعادته كان من بين جمهور المشاهدين الضاحكين.. أو المعلقين والمستشهدين بكلام الله عن جهل بغير هدى ولا كتاب منير. إنه الغرض والغرض مرض.. واعتمدت بعص الأقلام أسلوب الإثارة وركب بعضها ظهر المعارضة.. واتّخذ بعضها ما شاهده مغمزاً يطعنون به في شرع الله الحكيم.. وبعضهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً.. والشرطة في كل هذه الأحوال جهة تنفيذية لا تُصدر أحكاماً وإن تجاوز بعض أفرادها صلاحياتهم فإن ذلك مما لا يُعتد به للتعميم فالتعميم ظالم والتجاوز وارد في كل جهة بيدها سلطات معينة والعبرة بالمتابعة والمحاسبة.. ü صحيفة البنت ليست خالية من السوابق في مثل تلك الأمور التي أوجبت عليها الجلد.. والجلد أمرُُ ُ مخاطب به الإمام ومن ناب منابه.. وفي تفسير الآية الثانية من سورة النور في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي.. فيها «اثنان وعشرون مسألة» تبدأ من تعريف الزنا وتنتهي بتفسير طائفة من المؤمنين.. لا تترك شاردة ولا واردة من عدد الجلدات ونوع السوط «سوط بين سوطين» ولا طريقة الضرب «ضرب بين ضربين» ولا في كيفية الضرب في الرجال والنساء على اختلاف الأقوال.. ومكان الضرب في الجسد أهو الظهر أم إعطاء كل عضو حقه.. وهل يضرب الرأس أم يتقى وقد ضرب عمر رضي الله عنه في رأس صبيغ تعزيراً لا حداً.. واتّفق العلماء على تسليم الوجه والعورة والمقاتل.. وفصّلوا في شدة الضرب فقالوا التعزير أشد الضرب وضرب الزنا أشد من الضرب في الخمر وضرب الشارب أشد من ضرب القذف.. ولم يثبت الحد في شرب الخمر إلا بالاجتهاد.. والحد الذي أوجبه اللّه في الزنا والقذف وغير ذلك إنما يُقام بين أيدي الحكام ولا يقيمه إلا فضلاء النّاس وخيارهم يختارهم الإمام لذلك.. لأنها قاعدة شرعية وقربة تعبدية تجب المحافظة على فعلها وقدرها ومحلها وحالها بحيث لا يتعدى شيء من شروطها ولا أحكامها فإن دم المسلم وحرمته عظيمة فتجب مراعاته بكل ما أمكن.. آه. ü وفي زيادة عدد الجلدات حتى ثلثمائة سوط «أقامها والٍ على رجل لًعِب بصبي» ولم يستنكر الإمام مالك.. قال القرطبي المتوفى عام1273م «فكيف لو رأى مالك» زماننا هذا بهتك الحرمات والاستهتار بالمعاصي والتظاهر بالمناكر وبيع الحدود!!!! وأقول فكيف، إذا رأى الإمام القرطبي مطالع الألفية الثالثة؟!! أما صاحبنا الذي استدل بقوله تعالى وليشهد عذابهما.. الآية فلا هو يعرف معنى «طائفة» ولا من هم المؤمنون!! اشتكى قوم بشاراً الى أبيه بُرد بسبب هجائه لهم فقال لهم بُرد «ليس على الأعمى حرج» فأغاظهم فقال أحدهم «والله لهجاء بشار أهون علينا من فقه بُرد». ü إن شرطتنا تؤدي دوراً مقدراً وعظيماً وجسيماً.. وأشهد لمديرها العام الفريق أول شرطة هاشم عثمان بالاستقامة وحسن الخلق والدقة والصرامة والعدل والمهنية وبذلك اختار مساعديه وقادة الشرطة وضباطها العظام وبقية الضباط والرتب الأخرى.. وشرطة النظام العام «غير المبرأة عندي من كل عيب» بريئة من الحادثة المصورة.. لأن أحكام المحاكم إنما تنفذها شرطة المحاكم بحضور القضاة.. ولن أسأل السؤال «الغبي» كما وصفه المُفكر الفلسطيني عزمي بشاره وهو يعلق على تسريبات ويكيلكس.. والسؤال الغبي هو لماذا؟ في هذا الوقت بالذات؟؟ فالحادثة عمرها أكثر من عام ونصف. ü ضبطت شرطة النظام العام أيام هاشم «فتاة وشاب في وضع غير شرعي والكشف الطبي أوضح ان الفتاة «حبلى» فعالجوا المسألة بهدوء وزوجوا البنت وتكفلوا بالنفقات وقدموها للمحاكمة بعد أن وضعت حملها وأقيم فيها الحد الشرعي بلا أي ضوضاء وتكررت بعد ذلك الكثير من الوقائع المشابهة لكن شقي الحال يقع في الصحافة.. وهذا هو المفروض