يحكى أن أحد البسطاء قد تعرض لمظلمة من شخص ما فأشاروا عليه أن يوكل محامٍ ليرفع دعوى ليطالب برفع الظلم عنه، فذهب إلى المحامي وحكى له مظلمته، فصاغ المحامي عريضة تضمنت المظلمة وقرأها المحامي على الرجل صاحب المظلمة، فانتحب الرجل بحرقة شديدة واندهش كثيراً لما يسمع، فسأله المحامي عن سبب بكائه، فقال الرجل أنا ما كنت أعرف أنني مظلوم قدر هذا الظلم. هذه الواقعة تنطبق على واقعنا، لقد أصبح أوسع باب للشهرة هو أن تحكي نكتة أو قصة أو دراما أو تلقي قصيدة ترسم فيها صورة قاتمة عن المستوى الذي آلت إليه حال البلاد، وأن تطلق لخيالك المريض العنان وحبذا لو ذكرت أن كل مقومات الحياة في البلد منعدمة لا توجد مواصلات ولا مستشفيات ولا دواء ولا غذاء ولا أمن ولا مال ولا أخلاق وأن كل المسؤولين فاسدون وأن الرجولة انعدمت وأن الفحولة اندثرت وأن المرةءه قد نفدت، فينتحب المواطن مندهشاً ويقول كيف عايشين؟.. إذن نحن قد نكون انتقلنا للدار الآخرة أو قد نكون عايشين في دار أخرى في غير هذه الدنيا أو في غير السودان الآخر، نعم يا سادة إن من البيان لسحرا، إن أكثر الناس سخطاً على البلاد في هذا الزمان هم من يملكون كل شيء وهم من حازوا أرفع الوظائف وتعلموا على نفقة الشعب السوداني وهم سادة أبناء سادة ينعمون بخيرات البلاد في كل نظام لأنهم اليوم وزراء في الحكومة وغداً زعماء معارضة يبدلون ألوانهم وأفكارهم حسب المصلحة، والغريب تهتف لهم الجماهير في الخانتين، فهم حين ما يكونون في الحكومة يحدثونا عن الأمن والنسيج الاجتماعي وعن ضرورة الاستقرار ومشاريع التنمية ومستقبل السودان الواعد، وعندما يكونوا في المعارضة يحدثونا عن قرب رحيل النظام وعن الفساد وعن الظلم وهلم جرا، وينبغي!.. والشعب الطيب ينتحب في دهشة من كم الظلم الذي يعيش فيه ويقول لم أكن أعرف أنني مظلوم إلى هذا القدر. لقد فهمناهم وعرفناهم لهذا نحن صابرون وآملون في أن تشهد بلادنا استقراراً ونهضة اقتصادية ترفع عن كاهل المواطنين أعباء المعيشة، السادة الاقتصاديون أنتم من ترسمون مستقبل بلادنا أجعلونا نفكر معكم ونعينكم لنخرج من هذه الأزمات ونعزز الثقة فيكم كمخططين للمشاريع الإنتاجية ونحن معكم كمنفذين، إن احترام المواطن يكمن في تمليكه الحقائق أن هذه البلاد يهمنا أمرها كلنا على حد السواء، فلنحلم كلنا بنمائها، إن أكبر متعة يجدها الإنسان بعد عبادة الله هي الإعمار، فاعلنوا عن المشاريع الكبرى وعن جدول ومواعيد تنفيذها وما سوف تحققه من عائد مادي ووفرة إنتاج لصالح المواطن، فشعب بلا أمل، شعب بدون عطاء. إن في بلادنا صوراً جميلة نعتز بها، ففينا حتى الآن من يشد الرحال مجاهداً في سبيل الله دون أجر مادي وهو لا يملك شبراً من أرض السودان، وجنودنا البواسل يقدمون المهج والأرواح رخيصة من أجل الحفاظ على تراب الوطن الحبيب ويحققون الانتصار تلو الانتصار وما زال المجتمع متماسكاً ومتراحماً وبلادنا ملاذ للاجئين ومأوى للخائفين وما زلنا نرفع الأذان خمس مرات بأمان، والدعوة إلى الإيمان بالله لم تنقطع ويعلن الكثير من الناس إسلامهم بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله بلكناتهم ولهجاتهم المختلفة من وافدي دول الجوار في مساجدنا كل يوم، نقولها على استحياء لقد تعبنا وخارت القوة، ابذلوا الجهد لرفع المعاناة عن المواطنين الأوفياء وأخشى ما أخشى أن نؤتى من قبلكم، فالجوع كافر.