كتبتُ قبل يومَين مقالاً عنونته ب(شكراً للحكومة على عِلّاتها)!.. واختتمتُه بالعبارة التالية (فشُكراً للحكومة - ولو -نكاية في المعارَضة!.. وإنني لأطمع أن أوضِّح في مقالي التالي، أسباب شُكري لحكومتنا التي تطمح أن تكون رشيدة.. (وها قد جاء الموعد، على غير توقعٍ منِّي، فماذا أنا قائل؟). لعلَّ من أول الأسباب المحفّزة على شُكرِ الحكومات، هو أن هجاء الحكومات، قَلّما يؤتي أُكُله في هذا الزمان، لكأنّ جلود الحكومات صقيلات العراقيب؛ لا تنفُذ منها ضربة ولا تسير فوقها سَرْبة، وبلا شك، فقد لاحظَ كل امرئ منّا (وبالأحرَى سَمِعَ) ألسِنة الهجاء، تنطلق تسليباً للحكومة صُبحاً ومساء، ومع ذلك تظل الحكومة سائرة كما البعير عليه الظعائن، وذوات الألسِنة بأجنابِ القافلة تُطرِّق حِسَّها، وتفعل فعلها غير مُقصِّرة.. تُمطِرُ القافلة السادرة في مَشيها، بوابلٍ من شواظٍ كأنها من ورود، ولا إربة فيها.. ها هنا تأتي حوبة شُكر الحكومة، كآلية جديدة في تغيير قواعد اللّعبة التشاكسية، علّ وعسى أن يصيب الشكرُ الحكومةَ في (كعب أخيلٍ) لها، أو يقع منها في مِقنَبٍ قد دنا فناؤه، طالما أخطأتها الهجاءات اللّاذعة. إلى ذلك، فقد ساد في القديم، اعتقاد شعبي ببعض أريافنا. فحواه أن الدَّعاء بالفناء، وهذا نوع من الهجاء الأكثر من لاذع، على بعض ممالك الطيور الداجنة في المنازل الريفية، ينفعها ولا يضرّها، بل يزيدُها ويُنَمِّيها ويُكثرُ أعدادها بالملايين!.. فتضجُّ به البيوت صياحاً وزخماً أشبه بزخم النفايات بالولاية؛ عندها يزداد إلحاح أهل الدواجن في بذل الهجاء (الواصل) ضد ثروتهم، وفي سخاءٍ يحسدهم عليه الجيران، فهل هذه من تلك. كذلك من أسباب الشكر لهذه الحكومة، أنها تبدو في بعض الأحيان، مُتفهِّمة تماماً لحال الهمود الذي يعتري محكوميها بالداخل والخارج.. فلا تتوقّف من أجل ذلك كثيراً أو قليلاً، إلّا ريثما تُعيد على الأذهان الواهنة، مقولاتها المحفوظات مُثلّجات من أمثال: ليس في الإمكان أبدعُ ممّا كان، ويوم بُكرة أحلى، والصبر الصبر يا أخوان فإنّكم لموعودون بيومٍ عظيم، ثم ما أنْ يتراكم الهمود وتتضاعف لطماتِه في وجوه الناس، حتى تشتد سواعد المعارَضة بأشبه من(خريف أبي السِّعِن).. وَهُنا تضطرّ الحكومة لجذب العيون بمشروعٍ جديد.. وما أكثر المشاريع التي شدهتنا عن همودنا!.. كمشروع الحوار الوطني الشامل، ومشاريع السلام والاستقرار الكامن، والاستثمارات بالمليارات، والدّهب بالشوالات، ومؤخراً قد قيل لنا: إن عقاربنا الجبلية والرملية، كُلّها طلعتْ تحمل دَهَباً نُضاراً.. وبرغم ذلك تذهب الأيام ثِقالاً أو قُل: تتساقط، ولا تأتينا إلّا (طراقيع) الخريف، فضلاً عن غلاء الرّغيف؛ وَلغيرِ واحدٍ من الوزراء، تصريحٌ شفيفٌ يضجُّ بالتخاريف أو التواليف. بطبيعة الحال، لن يعجز مُتحفزٍ لشكرِ حكومتِه على علّاتها، متى ما أراد أن يُصليها شُكراً حتى تستغيث.. فالكلامُ، وبحسب منطق الهمود الحاصل، ليس بقروش.. بيد أنّ هناك غموضاً في تعريف الحكومة تعريفاً مانعاً جامعاً.. فمَنْ هي الحكومة التي تطمح كي تكون رشيدةً؟.. وذلك حتى لا يخطئها شُكرنا الآتي مُلَفلفاً.