كل ما أسمع أو اقرأ عن موضوع نفرة شمال كردفان، يذكرني ذلك بقصة حمار الوالي ..ذلك الحمار الذي زاحم حمار أم عمرو في الشهرة .. القصة تنسب إلى جحا -لكن أظنها لأحد ظرفاء ذلك الزمان- الذين كانوا يسخرون من طياشة ولاتهم وبؤس حالهم .. المهم في القصة أن الوالي فكر وقدر ثم نظر فنادى في الناس أن من يعلم حماره الكلام فسيعطيه وزنه ذهباً.. ولأن البطالة كانت متفشية وكل دروب الرزق الحلال مسددة ، فإن الإقدام على تعليم حمار الوالي الكلام فرصة نادرة ومجزية في ذات الوقت.. فكان من المتوقع أن يتزاحم على طلبها الآلاف بل الملايين .. إلا أن الشرط الذي فرضه الوالي كان مخيفاً.. وهو كل من يفشل يقتل ..ولأن بلاد مثل هذا الوالي لا تخلو من المغامرين والباحثين عن الموت اليائسين من الحياة، فقد تقدم أحدهم وأعلن عن رغبته القيام بالمهمة، على أن يعطى الوقت الكافي وهو عشر سنوات .. فهال الناس ذلك مع علمهم التام أن الحمار لن يتفوه بحرف واحد غير حرف )الهاء k(أما أن يتحدث الحمار بلسان عربي مبين، فذلك دونه بيض الانوق .. لكن الرجل كان (راقد فوق رأي).. فقال لهم يا هؤلاء من أين لي بعشر سنوات أقضيها في كنف الملك أنعم بما ينعم به حماره، وأتمرغ كما يتمرغ في النعمة .. والغيب علمه عند ربي في كتاب.. إن مت أنا فتكفيني السنوات التي عشتها، وإن مات الحمار فقد كفاني شر القتال، وإن مات الملك فقد ذهب الحمار بأم عمرو فما عادت ولا عاد الحمار. عندما نسمع عن النفرة والتخطيط لمستقبل الولاية وتنميتها، تفرض نفسها قصة حمار الوالي إذ أن التخطيط سيكون على شاكلة القصة آنفاً.. ويقيني أن الإنسان هو محور العملية التنموية وهدفها ولكي تنمي إنساناً لابد من الاهتمام بتعليمه.. تذلل له الصعاب وتذيل عنه العقبات ولأن التعليم هو الركيزة الأساسية للتنمية ونهضة الأمم لا تحقق إلا بالتعليم الفعال.. إذا كنا نتحدث عن تنمية شاملة تنتظم جميع أنحاء الولاية وليس حاضرة الولاية التي (تجبي إليها ثمرات كل المحليات) الشواهد كثيرة على أن الولاية ليست جادة وليست لديها النية في تنمية حقيقية، وإنما مجرد (شو إعلامي) حتى يقال إن التنمية والنفرة أتت أكلها.. أما بقية المناطق خارج الأبيض فحدث ولا حرج، وسآخذ محلية جبرة الشيخ نموذجاً فهي (الدجاجة التي تبيض ذهباً) وسأقصر حديثي عن التعليم في مرحلة الأساس فقط، والعراقيل التي تواجهه في المحلية، فالبيئة المدرسية في حالة تدهور مستمر الغالبية العظمى من المدارس مبنية ب(القش) والكثير منها غير مكتملة الفصول حتى .. وغير مكتملة المعلمين ولا يوجد بها إجلاس، ولا يوجد كتاب مدرسي واحد في الوقت الذي تنشغل فيه المحلية بجمع الجبايات لدعم النفير الذي لا ناقة للمحلية فيه ولا جمل، مليارات الجنيهات سلمها معتمد المحلية للولاية دعماً للنفير، والمحلية أحوج ما تكون إليها، وقبلها (قطع المواطنون من لحم أجسادهم ) لدعم الدورة المدرسية ذات الميزانية الصفرية، ويبدو أن الولاية استعذبت (الشحدة).. فهاهي تفرض على تلاميذ مرحلة الأساس بمحلية جبرة الشيخ رسوماً لا قبل لهم بها، تفوق المائة والخمسين جنيهاً على التلميذ الواحد، هذا غير بقية المتطلبات من كتب وكراريس ولبس ..الخ... من أين للمواطنين بها والمنطقة كانت تمر بفجوة غذائية لشح الإمطار والغلاء يشنق الناس بحبل من مسد ..وجميع المسؤولين في حالة صمت وخزي لأنهم يعلمون ويدركون حقيقة ما يحدث، والميزانيات التي لديهم تهدر في شكليات وتوزع رواتب ومكافآت وانتقالات وبدلات، والولاية مشغولة بدفع مليارات الجنيهات على تسجيل اللاعبين، فالحديث عن النفير والتنمية والنهضة خدعة على شاكلة تعليم الحمار الكلام ليس إلا ... للحديث بقية