الدكتور كمال عبيد.. وزير الإعلام والاتصالات... تحية وسلاماً.. وقبل أن تتوهط تماماً في مكتبك العامر... دعنا وفي «كراسي» الدهليز الذي يجاور أو يلاصق تماماً مكتبكم... دعنا نجلس على كراسي «خيزران» لنقدم لكم هويتنا.. ونضع بين أيديكم.. مخنا.. وفكرنا... ومعتقداتنا... وانتماءاتنا... نحن سيدي الوزير... لسنا من أهل الإنقاذ.. ولا حتى من المناصرين للإنقاذ.. بل نضع أنفسنا وفي شجاعة وبسالة.. في الجبهة.. أو الجهة المناهضة تماماً للإنقاذ.. ولكن وفي نفس اللحظة... نقول.. إننا نفرق تماماً بين الحكومة والوطن.. بين الدولة.. والقائمين على أمر الدولة.. بين الحزب.. والوطن جغرافية وتاريخاً وأرضاً وشعباً.. لذلك.. ومن أجل ذلك.. لا تدهش ولا تعجب.. إن وجدت أن خطواتنا هذه الأيام.. تمشي مع خطواتكم في نفس الطريق.. ونحو نفس الهدف... ليس هذا اندماجاً.. أوتطبيعاً بالأحرف الأولى أو الكاملة.. ولا هي هدنة موقف هش لإطلاق النار بيننا وبينكم.. بقدر ما هي نصيحة لوجه الله.. لا نريد جزاءً فيها ولا شكوراً... سيدي وزير الإعلام.. والآن نحن في مكتب الوزير.. وجهاً لوجه معك.. ونبدأ القول.. بأننا.. بل أنني أعيش في رعب قاتل.. وفزع شاهق.. على الوطن.. على شعب الوطن.. على مصير الوطن... وأدلف إلى قلب الموضوع لأقول.. إننا من الذين أفنوا وأهرقوا أمطاراً من المداد.. وسودوا أطناناً من الورق.. ونحن ندعو للوحدة... وحدة الوطن النبيل والعظيم والنبيل... ولكن الأيام تسرع وعقارب الساعة تركض كخيول مجنونة نحو التاسع من يناير القادم... حيث يواجه الوطن استحقاق الاستفتاء الرهيب.. وبالأسف كله والحسرة أفدحها.. وبالحزن أعمقه.. نرى بعيون جلية رغم أن البكاء أعشاها.. نرى أن الانفصال واقع لا محالة.. وأن الأحبة الجنوبيين قد أداروا ظهرهم تماماً للوحدة.. وأنهم قد «قنعوا باطن وظاهر» من وطن واحد... ومن هنا.. ولذلك.. بل من أجل ذلك اليوم نكتب لك.. سيدي.. هناك مثل سوداني مركوز في قلوب جل السودانيين.. يقول وفي حادثة مضحكة.. «إن السترة فتناها قولي الله يحصل الشفاء».. واليوم نحن لك نقول إن الوحدة قد فتناها.. وإن بقاء السودان واحداً متحداً.. عصياً على التشظي أصبح حلماً من الخيال فهوى..وإن الخيوط التي كنا نشدها.. سداة ولحمة.. لننسج ديباجة الوحدة.. قد تمزقت وتهرأت وهاهو الامتحان على الأبواب.. امتحان الاستفتاء... وبما أن نتائجه.. الكل يعلمها ويعرفها «زي جوع بطنه» وهي الانفصال.. دعنا إذن... نتحوط للخيار الآخر أو الثاني.. وهو الانفصال.. وهنا نقول.. إن أوجب واجباتنا هو أن يكون انفصالاً سلمياً آمناً سلسلاً.. رحمة بوطننا وشفقة على مواطنينا شماليين وجنوبيين وحتى على نزلائنا الكرام... وهنا نقول ونحن نخاطبك شخصياً... إنه عليك ومنذ اليوم... أن تدير حملة الإعلام.. بنفسك... عليك أن تمسك بملف «الناطق الرسمي لحكومة السودان» وحدك لا يشاركك أحد عليك أن توقف ذاك السيل من فوضى التصريحات... عندما تكون لسان الحكومة وباسم الحكومة... لا تسمح لأحد كان... أن يدلي بأي تصريح مشاتر وأعوج لوسائل الإعلام عن الاستفتاء.. أو حتى علاقة الشمال والجنوب... إن كلمة واحدة في غير موضعها يمكن أن تكون شرارة يتبعها حريق.. إن هذه الأيام يواجه طقس الوطن فيها سحباً مليئة بالشك.. حبلي بسوء الظن ..بالله عليك دع التصريحات... الحكومية في هذا الأمر.. محصورة عليك.. بل حصرية عليك وحدك ممنوعة على كل الرموز الحكومية أو الدستورية مهما كانت خطيرة نافذة ومؤثرة.. الاستثناء الوحيد هو رأس الدولة رئيس الجمهورية.. أما غيركما فلا.. وأعلم سيدي إن كل النفوس محتقنة باليأس محتشدة بالشك مليئة بالخوف.. وأخشى.. أن تفجر كلمة واحدة.. أجواء الوطن.. وتشعله بالحريق... رجاءً.. أضبطوا أنفسكم وأكبحوا موجات الغضب.. حتى يأتي الانفصال الحزين والمؤسف..سلساً.. آمناً.. سلمياً.. ولك الود.