نعيد هذا المقال الذي نشر بتاريخ الأحد 12 ديسمبر .. وبخطأ فني وغير مقصود من قسم الأنترنت والمعلومات تم وضع مقال «شمس المشارق» للكاتب مؤمن الغالي وكان بعنوان «تلغرافات.. مفتوحة 2-2»بدلاً لمقال «مع الأحداث» للأستاذ محمد الحسن درار بموقع الصحيفة الإلكتروني ،وكانت فيه مخاطبة للأستاذ والشيخ الجليل ،الباشمهندس/ الطيب مصطفى الذي نحترمه ونقدره ونجله.. ونعتذر جداً للباشمهندس والقراء ولهم العتبى حتى يرضوا .. يدور همس هذه الأيام من وراء الكواليس يتزامن مع اقتراب موعد الاستفتاء بأن هناك جهات بعينها تقدم عروضاً مغربة للجنوب بأن تنضم دولته الجديدة إلى جامعة الدول العربية.. ويغيب عن هذه الجهات أن دعوة الجنوبيين إلى الانفصال وتكوين دولة مستقلة قائم على أساس أنه بقعة أفريقية المولد والمنشأ والثقافة، وأن العرقية العربية فشلت الأمعاء الجنوبية استساغها وهضمها، لأن التركيبة البيولوجية للجنوبيين لا تقبل إلا ما تجود به البيئة الأفريقية، التي لا تنتج إلا التربة الأفريقية ذات الخصائص الغابية والنابعة من حرية الحركة والتنقل والمناخ الاستوائي.دولة الجنوب المرتقبة بعد أن يدلي الجنوبيين بأصواتهم للتمسك بخيار الانفصال.. ستكون ذات كيان أفريقي خالص وكامل الدسم.. وستكون الصورة الماثلة أمام العالم أجمع أن الدولة الجنوبية حلت على جزء مهم من أرض السودان ذات المليون ميل مربع، ولذلك يتطلب الموقف السياسي الأفريقي إعادة النظر ورسم التدبيرات اللازمة لتغيير شكل التحالفات الإقليمية، وكذلك التغيير في مركز القوى المنتشرة بكل المناطق المهمة والاستراتيجية في القارة السمراء، وعلى أثر تكوين دولة الجنوب الجديدة سيفقد السودان مساحة مقدرة لترسيم ملامح دولة جديدة، وربما يؤثر ذلك على الاقتصاد السوداني، الذي ظل معروفاً من أذهان الاقتصاديين المحليين والعالميين، وراسمي السياسة الاقتصادية للسودان عبر عقود من الزمان، بأنه قائم على صادرات الثروة الحيوانية والمحصولية.. لكن ما تشير إليه الاستقراءات أن دولة الجنوب الجديدة ليست بمقدورها مواكبة التغييرات المفاجئة التي ستحدث على خريطتها الجديدة.. لأن عوامل قيام الدولة ارتهنت بإرادة ورغبة عدد من السياسيين الجنوبيين، الذين غلبت عليهم مصالحهم وأهواؤهم الشخصية وكانت وراء دفعهم إلى الانفصال ذلك الاتجاه المدمر بعد أن تقع الواقعة.. ورغم أن هناك مؤشرات تحمل بين جنباتهم المخاطر والمهددات للدولة الجديدة نجد مازال البعض يرفع شعار الانفصال. نعم دولة الجنوب الجديدة ستنضم إلى كتلة الدول الأفريقية، والروابط والاتحادات الافريقية، وستقوم الدول الأفريقية تباعاً بالاعتراف بها، منهم على الفور ومنهم ضمنياً بالمباركة والترحيب، ودول أفريقية أخرى ستتحفظ على إعلان اعترافها، لكن علاقتها مع الدولة الجنوبية الوليدة ستشوبها علاقات طيبة ومساندة لها في أي تجمع أفريقي أو اتحادات وتحالفات أفريقية، إلا أن الواقع يقول.. قبل أن تجرى عملية الاستفتاء على مصير الجنوب، بدأت بعض الوفود الأفريقية تكثف من وجودها وزياراتها للجنوب، هذه الوفود على مستوى عالٍ، وتجري مقابلات في العلن والخفاء مع مسؤولين أفارقة بمشاركة قيادات من الحركة الشعبية لها علاقات وثيقة داخل القارة الأفريقية مع دول الجوار وغيرها. هناك مستجدات بدأت واضحة للمراقبين السياسيين الذي يتخذون من جوبا مركزاً لنشاطهم الاستخباري، مهمتها نقل التقارير للقوى المعادية للسودان وحكومة الخرطوم.. هذه المستجدات تحمل الكثير من دلالات الخطر، لكن السؤال المطروح ماهي الجهات المستفيدة ..؟ أما بخصوص النظرة إلى الاستفتاء والتحضيرات والتدابير له كان سيكون مقبولاً بدون التعرض لحكومة الخرطوم والشمال بالتجريح والاستفزازات والاتهامات نحو التشكيك في جدية حكومة الخرطوم في الالتزام في إجراء الاستفتاء في موعده المحدد، التزاما بتنفيذ آخر بند من بنود نيفاشا. لكن الحقيقة تقول إن الساسة الجنوبيين لم يقرأوا الواقع بذكاء سياسي، لكنهم انزلقوا إلى ابتلاع الطعم المقدم لهم من القوى الغربية والمغريات والحوافز المقدمة من عدد من دول القارة، لضمان الانتماء إلى روابط إقليمية وسياسية.. والمحير في الأمر الآن هم تلك المجموعة التي تقدم العرض المغري لقيادات الحركة الشعبية للانضمام حال تكوين دولتهم المرتقبة إلى جامعة الدول العربية، مع أن الجنوبيين تتجه بوصلتهم السياسية جنوباً وليس شمالاً،عموماً نقول: إن الاتجاه الرامي إلى إغراء الجنوبيين للانضمام إلى جامعة الدول العربية دعوة لن تلقى من القبول والاستجابة من حكومة الجنوب الجديدة، ولكن ستكون عرضاً سخياً ستقبله القيادات الجنوبية لمزيد من تدفق رأس المال والاستثمار لدولتهم الوليدة، فالعرقية الأفريقية بكل ما تحمل من ملامح وثقافة هي بالنسبة للجنوبيين خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، لذا عندما يتحدث البعض عن الاتجاه نحو العروبة والشمال الأفريقي، هذه الفئة لا تتحكم في خيوط وأوراق اللعبة فهناك قوى نافذة لا تسمح لقيادات الجنوب بالنظر شمالاً. وكما جاء على لسان أحد القيادات الجنوبية البارزة أن دولة الجنوب لن تكون دولة عربية، وليس هناك من خصائص تجمعها مع العرب لا لغة أو ثقافة ولا عرقية.. وعلى مقدمي الإغراءات والحوافز لاحتضان دولة الجنوب الجديدة عليهم أن يدركوا تماماً أن الجنوبيين يمكن أن (يبيعوا لهم الترام) الذي ينقل مواطنيهم من الخرطوم وحتى جوبا، فليكف هؤلاء عن الاستمرار في اللعبة المكشوفة، لأن الجنوب عالم آخر مليء بالأسرار والحوادث الطبيعية، التي تحمل في طياتها ثقافة الطبيعة والغابة، ولها مصطلحات المشاهد الطبيعية، ولها مدلولاتها وتفسيراتها كالبرق والرعد والصاعقة والمطر، والثور الأبيض ذي القرنين الكبيرين والملتوية، والجنوب له أيضاً بأجندته السنوية حسب مشاهد الطبيعية في كل موسم، وأن السنة لدى الجنوبيين فصلان منفصلان موسم للأمطار وموسم للصيف، وهذا مخالف للأجندة السنوية والموسمية العالمية، التي تقسم السنة موسمياً إلى أربعة مواسم متميزة الصيف والشتاء والربيع والخريف.. فالجنوبيون لا يعرفون الخروج للحدائق في يوم شم النسيم كالعرب، لكن الجنوبيين يعشقون حمل الحراب والدروع ودخول الغابة طوال العام، هذا التقليد يقابل مصطلح أيلول الأسود لديهم، عندما تدق طبول الحرب.. وطبقاً لما ورد فإن قبول واستجابة الجنوبيين للعرض المقدم للانضمام لجامعة الدولة العربية صعبة ومستحيلة.