الحرب الأهلية التي دارت في جنوب السودان لم تنحصر تأثيراتها على الوضع داخلها بل امتدت تداعياتها إلى الولاياتالمتحدة التي لم تتوان في تقديم الدعم والمساعدات العسكرية للجيش الشعبي منذ نشأة التمرد، وتحول هذا الدعم إلى العلن تحت غطاء المساعدات العسكرية للدولة الوليدة بغرض تمكين الديمقراطية فيها. الإهتمام الأمريكي بجنوب السودان برغم الانتهاكات التي يقوم بها الجيش الشعبي والحروب الداخلية أثارت حفيظة الرأي العام الأمريكي الذي يؤمن بالديمقراطية مما حدا ببعض الكتاب أن يدونوا آراءهم عبر الصحف الأمريكية لحث الرئيس بارك أوباما على عدم التعامل مع جنوب السودان وإعادة النظر في تقديم العسكري للجيش الشعبي. وقد أخذ محور التجنيد القسري للأطفال من قبل الجيش الشعبي حيزاً من إهتمام الرأي العام الأمريكي، فقد أثبتت إحصائيات منظمة اليونسيف أنه قد تم تجنيد أكثر من (15) ألف طفل بين طرفي النزاع منذ بداية الحرب في جنوب السودان، ولم يكن الوضع خلال الحرب الأخيرة التي دارت داخل العاصمة جوبا أفضل حالاً من ذي قبل إذ نتج عنها كثير من أعمال العنف والإنتهاكات لحقوق الإنسان فضلاً عن إنعدام الأمن الغذائي والكوارث الإنسانية على المدنيين من تدمير المنازل والمدارس وتشريد آلاف الأسر. وقد وثقت تقارير الأممالمتحدة أكثر من (150) حالة تم فيها تجنيد أكثر من (2,500) طفل من قبل الجيش الشعبي والمليشيات المتحالفة مع الحكومة خلال العام 2015م فقط و(130) حالة في العام 2014م، الأمر الذي دفع صحيفة الكونغرس الأمريكية (ذا هيل) أن تنشر مقالاً مفاده مخاطبة الرئيس أوباما بضرورة إغتنام فرصة ما تبقى من له من فترة ووضع حد لتجنيد الأطفال في جنوب السودان وذكر المقال أن الولاياتالمتحدة بها تشريعات تحظر تصدير الأسلحة وتقديم التدريب العسكري للبلدان التي يصنفها تقرير وزارة الخارجية الأمريكية للإتجار بالبشر بأنها تجند وتستخدم الأطفال في القوات المسلحة الوطنية أو الجماعات المسلحة المدعومة، وتنظر بعض شرائح الرأي العام الأمريكي إلى أن حكومة الولاياتالمتحدة قد تنازلت عن تطبيق هذا القانون وسمحت بتدفق المساعدات العسكرية لجنوب السودان دون عوائق. معلوم أن الولاياتالمتحدة استمرت في تقديم المساعدات العسكرية لجنوب السودان فقد أشارت تقارير إعلامية أمريكية أن جنوب السودان حصل على (120) مليون دولار في العام 2013 كمساعدات عسكرية و(20) مليون دولار في مجال مبيعات الأسلحة من الولاياتالمتحدة، بالإضافة إلى طلب تقدمت به الإدارة الأمريكية بتضمين (30) مليون دولار في العام 2017 كمساعدات عسكرية لجنوب السودان. المساعدات العسكرية التى ظلت تقدمها الولاياتالمتحدة لدولة جنوب السودان كانت محل انتقاد الرأي العام الامريكي الذي ظل يناشد الرئيس باراك أوباما بضرورة إغتنام ما تبقى من فرصة ولايته وعدم تقديم أي مساعدات عسكرية لجنوب السودان ودفع حكومة جوبا للإلتزام بالتوقف عن تجنيد أو إستخدام الأطفال. الولاياتالمتحدة كما كان لها دور واضح في انفصال جنوب السودان لعبت ذات الدور في تأهيل قواته قبيل الإنفصال، فقد سبق أن ذكرت تقارير إعلامية أمريكية أن وزارة الخارجية الأمريكية في أعقاب التوصل لإتفاق السلام الشامل بين السودان وجنوب السودان منحت إحدى الشركات الأمريكية الخاصة عقداً لتأهيل متمردي جنوب السودان وتحويلهم لقوة عسكرية محترفة، واختارت الحكومة الأمريكية شركة دين كورب (DynCorp) التي فازت بقيمة العقد المبدئي البالغة (40) مليون دولار للقيام بهذه المهمة وفي العام 2006م حاولت شركة بلاك ووتر (Black Water)، وهي أكبر الشركات الخاصة التي توفر خدمات أمنية للحكومة الأمريكية "طبقاً لتقارير أمريكية" بتوفير حماية أمنية لكبار مسؤولي حكومة جنوب السودان ولتدريب جيش الجنوب وحاول نائب الرئيس الأمريكي الأسبق ديك تيشن أن يساعدها في سعيها للحصول على تعاقدات طريق معرفته الوثيقة برئيس الشركة (إيريك برنس). على الرغم من الموقف الرسمي الأمريكي تجاه جنوب السودان إلا أن هنالك عدة عوامل تؤثر في عملية صنع القرار الأمريكي بخصوص جنوب السودان بما يحقق مصالح واشنطن، متمثلة في شركات الطاقة والتعدين التي ترمي إلى الإستفادة من الثروات التي يحويها الجنوب من اليورانيوم والنحاس والنفط، وبالمقابل تحرص جوبا على قيام علاقات صداقة تعاونية مع الولاياتالمتحدةالأمريكية لضمان إستمرار تقدم المساعدات المالية والعسكرية. بعد الحرب المستعرة في جنوب السودان ونداءات الرأي العام الامريكي الذي بات ينظر إلى رعاية الولاياتالمتحدة لإنفصال جنوب السودان بأنه أكبر الأخطاء التي ارتكبها أوباما خلال فترته الرئاسية والمطالبة بتصحيحها أو قطع العلاقات مع جنوب السودان خاصة وأن حكومته ظلت تتنازل عن تطبيق كثير من التشريعات والقوانين مما وضع أوباما في محل الإنتقاد.