الناس أمام التغيير أربعة أصناف: الصنف الأول: صنف لا يعترف بالتغيير، ويزعم بأنه لا يوجد تغيير، ولا يتغير مع المستجدات والظروف، ويشعر دوماً أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، وهذا الصنف ليس جيداً، ولا ننصحك بأن تكون منه.. الصنف الثاني: صنف يشعر بالتغيير ويستجيب له، ولكن بعد مدةٍ طويلة، بعد أن يتغير الناس من حوله، وبعد أن تتغير الأشياء من حوله، وبعد أن يرى النتائج الإيجابية للتغيير في من حوله، فهو يريد التغيير، ولكنه لا يحب المبادرة، إما خوفاً من الفشل، أو خوفاً من التجديد، وهذا الصنف أفضلُ قليلاً من الصنف السابق، ولكنه أيضاً ليس جيداً، ولا ننصحك بأن تكون منه. الصنف الثالث: صنف يستجيب للتغيير على الفور، وعند حدوثه، ولديه مرونة للتغير مع الظروف والمستجدات، ولا ينتظر حتى يرى التغير في الآخرين، وهذا نوع جيد. يمكنك أن تكون منه، ولكنه ليس الأجود، الصنف الرابع: شخص يصنع التغيير، وهذا الشخص لا ينتظر الظروف من حوله أن تتغير ثم يتغير معها، أو ينتظر التغيير ثم يستجيب له، هذا الشخص يسعى دوماً لتغيير الظروف من حوله بنفسه، ويبحث عن الشيء الذي يريده ثم يسعى إليه، وهذا صنف أجود، ننصحك بالسعي الجاد لكي تكون منه.. هل هذا الكلام كلاماً واقعياً يمكن أن يتحقق؟! أم هو كلام رومانسي وخيالي لا يمكن تحقيقه على أرض الواقع؟! هل أنت الذي تغير الظروف أم أن الظروف هي التي تغيرك؟! حسناً، دعنا نرى.. لو كان لديك ثلاثة أوانٍ، وملأت هذه الثلاثة أواني بالماء ، ثم وضعت هذه الثلاثة أواني على النار ، وانتظرت حتى أصبح الماء يغلي بداخل هذه الأواني الثلاث، ثم وضعت في الإناء الأول قطعةً صلبةً من الجزر ، وفي الإناء الثاني بيضة، وفي الإناء الثالث ملعقتين من البن المطحون، وتركت الماء يغلي فترة من الزمن، ماذا سوف يحدث ؟! ممتااااز !! إذن هيا بنا لنرى ماذا حدث ؟! سوف نجد أن قطعة الجزر الصلبة في الإناء الأول أصبحت لينة وطرية، والظرف الذي واجهته هو الماء المغلي.. وسنجد أن البيضة في الإناء الثاني قد أصبحت صلبة وقاسية، والظرف الذي واجهته هو الماء المغلي أيضاً.. بينما نجد أن مسحوق البن في الإناء الثالث قد قام بتغيير الماء المغلي وحوله الى قهوة لذيذة، والظرف الذي واجهه البن هو أيضاً الماء المغلي.. إذن ما الذي حدث؟! العناصر الثلاثة واجهت نفس الظرف وهو الماء المغلي، وهذا الظرف حوَّل صلابة الجزرة الى ليونة، وحوَّل ليونة البيضة الى قساوة، ولكن هذا الظرف لم يستطع تغيير البن، والذي حدث هو العكس تماماً، البن هو الذي حوَّل الماء المغلي الى قهوة لذيذة.. إذن الظروف تغير بعض الناس، وبعض الناس هم الذين يغيرون الظروف، والحقيقة هي أن الذي يؤثر فينا ليست هي الظروف، ولكن ردُ فعلنا على تلك الظروف، والأديان السماوية تسعى دوماً لأن يكون الشخص إيجابياً، فقد ورد في القرآن الكريم (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) الآية 216 من سورة البقرة ، فالآية تحثنا على أن نتعامل مع الأشياء السيئة التي تواجهنا برد فعلٍ حَسَن، لأننا لا نعرف أين يكمن الخير، وأنْ لا نأخذ بظاهر الأمور السيئة، وجاء في الحديث كذلك (عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكانت خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر، فكانت خيراً له) رواه مسلم ، وبعد هذا الظن الحَسَن بالله تعالى، ينبغي علينا أن نسعى للإستفادة من الظروف التي من حولنا.. ونسعى لتغييرها.. ولا نستسلم، بل نصنع التغيير الذي نريده.. وتحضرني هنا قصة لها علاقة بموضوعنا، أذكر أنه قبل سنوات كان لي صديق، وهو من العمال البسطاء، وليس لديه عمل مستمر، فكان حلمه أن يشتري طاحونةً لطحن الغلال، ويذهب بها الى قريته بولاية النيل الأزرق، ويقوم بالعمل عليها في قريته ويعتاش منها، ولكن المشكلة التي واجهته في ذلك الوقت وما زالت، هي قيمة الطاحونة، والتي كانت في ذلك الوقت في حدود (10000) عشرة آلاف جنيه، والآن تضاعفت هذه القيمة... وكان ينتظر مصدراً خارجياً يمده بهذا المبلغ ولم يجد، وما زال يعيش حلمه المستحيل حتى اليوم، وقبل أيام ذهبت مع أحدهم لسوق أم درمان، وكان يريد أن يشتري سَحَّانةً لسحن التوابل والبهارات، وتفاجأت بقيمة السحانة تماماً، حيث لم تتعدَ قيمتها مبلغ (1500) ألف وخمسمائة جنيه، والسحانة في تشغيلها وأرباحها ربما تكون أسهل وأربح من الطاحونة، فهي جهاز بسيط، يتكون من قمع توضع فيه التوابل، وموتور كهربائي لإدارتها، وحامل حديدي.. وقد قمت بحملها في الصندوق الخلفي لسيارتي، وهي بسيطة يمكن لأي شخص من الأسرة إدارتها، وأرباحها عالية، وهي مشروعين في مشروعٍ واحد، فيمكن سحن التوابل والبهارات بالأجرة لمن يطلبها، ويمكن سحن التوابل والبهارات من غير طلب من أحد، وتعبئتها وتوزيعها على المحلات التجارية، أو بيعها لمن يرغب.. وقد ذكرني موضوع الطاحونة والسحانة بموضوع الساعة والبوصلة للكاتب العالمي استيفن كوفي، وتعلمت من موضوع الطاحونة والسحانة، أن أفكر فيما لدي أولاً، وأن أستفيد فيما تحت يديَّ من موارد ، حيث أنه من الأفضل أن أتحمل مسؤولية تغيير الواقع الذي يحيط بي ، بدلاً من إنتظار المساعدة من الخارج ، فإن جاءت المساعدة بعد ذلك، فهي خيرٌ وبركة، وإن لم تجيئ فأكون قد تحملت مسؤوليتي بنفسي، وتحمل المسؤولية ليس مريحاً، ولكن عاقبته حَسَنة، وعدم تحمل المسؤولية مريح ، ولكن عاقبته سيئة، وصناعة التغيير هي حالة ذهنية قبل أن تكون واقعاً في حياة الشخص، والإستسلام للظروف أيضاً حالة ذهنية، قبل أن تكون واقعاً في حياة الشخص.. لدينا مجموعة على الواتساب اسمها (مجموعة دنقلا في قلوبنا)، تضم عدداً من أبناء مدينة دنقلا بشمال السودان، وهذه المجموعة إجتماعية خدمية، ولها مبادرات إجتماعية كثيرة، تمول من اشتراكات الأعضاء المالية، من هذه المبادرات مبادرة تسمى (فرحة العيد)، وتعنى بجمع أموال من الأعضاء، وتوزيعها على الأسر المتعففة، لشراء إحتياجات العيد، وأحياناً يكون نصيب الأسرة الواحدة مبلغاً وقدره (500) جنيه، أي أن ما يمنح لثلاثة أسر يكفي لشراء سحانة توابل وبهارات، تخرج إحدي هذه الأسر من دائرة الفقر، ولا تعود بحاجة الى دعم آخر من المجموعة، ويمكن للمجموعة تبني مشروع يجعلها أيضاً لا تعود بحاجة الى دعم من أعضائها أو من أي جهة رسمية، (وهذا ما شرعت فيه المجموعة بالفعل)، ويمكن لإحدى الجهات الرسمية كذلك بتبني مشروع يجعلها لا تعود في حاجة الى دعم من الجهات الخارجية وهكذا، وما تجربة بنك جرامين للتمويل الصغير وتنمية المجتمع ببنغلاديش منا ببعيد، وبنك جرامين أسسه الدكتور محمد يونس في العام 1983م، وتم تسجيله كبنك رسمياً في العام 2006م، وقد بدأه برأس مال قدره (27) دولار أمريكي من ماله الخاص، أقرضه لعدد (42) إمرأة، كن يعملن في صناعة الأثاث من نبات الخيزران، وكان يقدم التمويل للأسر الفقيرة التي حول الحرم الجامعي بدون ضمانات، والآن بلغت فروع البنك (2468) فرعاً، وعدد الموظفين العاملين فيه (24703) موظفاً ، وأخرج آلاف الأسر ببنغلاديش من دائرة الفقر، وبلغ رأس ماله ملايين الدولارات.. وحصل الدكتور محمد يونس على جائزة نوبل مناصفةً مع بنك جرامين، وأجبر البنك دولاً كبري مثل أمريكا على دراسته والإستفادة من تجربته..إذن الناس أمام التغيير أربعة أصناف، أحسنهم هو الصنف الذي يصنع التغيير، وهم الناس الذين يستفيدون من الظروف التي من حولهم، ويطوعونها لفائدتهم. ويستفيدون من ما بين أيديهم من موارد، ولو كانت قليلة، ويصنعون التغيير الذي يريدونه في حياتهم.. وهم يسعون ويتبعون الأسباب ويتوكلون، والبقية على الله، وكما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم (إعقلها وتوكل) رواه الترمذي، واعلم أن صناعة التغيير حالة ذهنية، قبل أن تكون واقعاً في حياتك.. فإذا آمنت إيماناً قاطعاً، بأنك يمكن أن تصنع التغيير الذي تريد، وأنك قادرٌ على أن تصنع التغيير الذي تريد، وأنك تستحق هذا التغيير الإيجابي، عندها سوف يتحقق هذا التغيير الإيجابي في حياتك بإذنه تعالى وحوله وقوته، وهو القائل (وقل إعملوا فسيرى اللهُ عملكم ورسولُه والمؤمنون) الآية 105 من سورة التوبة .. وإذا عزمت فتوكل ودع الباقي على الله .. وكن دائماً التغيير الذي تريد ،،، المدرب الإستشاري : د.