هذا مثالٌ على المستوى الشخصي، أما على مستوى السودان فلدينا مثالٌ مبهرٌ حقاً، هو مثال المدربة المعروفة المهندسة نسرين محمود صالح، والشهيرة باسم (نسرين كرافت)، مؤسسة ومالكة (أكاديمية نسرين للتدريب وتنمية المرأة)، في العام 2005م تخرجت نسرين محمود صالح في كلية الهندسة بجامعة الزعيم الأزهري، وتوقع لها الجميع مستقبلاً هندسياً رائعاً، ولكنها فاجأت الجميع بتخليها عن العمل في مجال الهندسة، وقيامها بإنشاء أكاديمية لتعليم النساء فنون الأشغال اليدوية!! وبالطبع وقف الجميع ضد هذه الفكرة، حتى أقرب الأقربين لها، لم يكن من المألوف أن يترك شخصٌ وظيفة المهندس، وهي وظيفة لها بريقٌ ولمعانٌ في المجتمع، ليُلقي بنفسه في أعماق المجهول، ليبدأ شيئاً لا يُعرَفَ أين أوله ولا أين آخره !! ولكن المهندسة نسرين محمود صالح كانت شخصية ذات همةٍ عالية، ونظرةٍ بعيدة، كانت ترى آلاف النساء في المنازل، بلا عمل ولا تعليم ولا موهبة، ولا صنعة يدٍ تقيهنَّ شر الحاجة وغدر الزمن، كانت ترى وتفهم وتتألم، وفي نفس الوقت كانت تحب الأشغال اليدوية، وتجد نفسها فيها، حباً تسرب إليها من جداتها والكبار في أسرتها، وهذا الحب دفعها للإشتراك في عدة معارض للفنون والأشغال اليدوية، وهي لم تزل طالبةً في كلية الهندسة. وحتى تَجمعَ هذا بذاك، تصالحت مع نفسها، وأقامت شراكةً ذكية، بين ما تحبه وما يحتاج إليه الآخرون، فكانت أكاديمية نسرين كرافت، والمستهدفين بها هن ربات المنازل، الذين ليس لهن دخلٌ ولا صنعة، وفيهم عددٌ من المطلقات والأرامل وذوات الظروف الصعبة، وقامت بتعليم هؤلاء النسوة تطريز الثياب السودانية، والطباعة على الثياب، والطباعة على الزجاج، وعمل الستائر، وعمل الشموع، وطائفة من الفنون الأخرى، وأقامت شراكة ذكية مع إحدى الجامعات المرموقة، لمنح الدارسات الشهادة من هذه الجامعة، فتدخل الدارسة الى الأكاديمية برسوم بسيطة لا تكاد تذكر، وتتخرج منها بعد عدة شهور، ويداها تُلفان بالحرير، تملك صنعة في يدها، تدر عليها المئات من الجنيهات، وحاملةً في اليد الأخرى شهادة من جامعةٍ مرموقة، استطاعت نسرين محمود صالح وحدها ومن دون مساعدة من أية جهة، إخراج المئات من الأسر السودانية من دائرة الفقر، واستطاعت نسرين محمود صالح وحدها أن تعطي الأمل والإلهام والثقة بالنفس لآلاف النساء السودانيات، ولم تكتف بهذا القدر من العمل النبيل، بل سعت سعياً حثيثاً، لتُخَرَّج مدرباتٍ من الأكاديمية ليقمن بما تقوم به من عمل ويفتحن أكاديميات مثلها، ويعلمن المزيد من النساء، لم تحتكر سر المهنة، ولم تخشَ المنافسة، ولم تأخذ بثقافة الفقر وإخفاء المعلومات عن الآخرين، بل كانت تعقد الدورات لتخريج المدربات اللائي سيَكُنَّ مثلها، بنفس الحماسة التي تُخرِّج بها المتدربات، وأيضاً لم تكتفِ بهذا الكرم النبيل، بل قدرت بأنَّ المئات من النساء لا تمكنهنَّ ظروفهنَّ من الحضور للأكاديمية لبعد المسافة، فكانت تبادر وتذهب الى أطراف العاصمة والأحياء البعيدة، مستعينة ببعض طالباتها، لكي تلتقي بالنساء في تلك الأحياء البعيدة، وتلقي عليهن المحاضرات، وتعلمهن كيف يستفدنَ مما يملكنَ من قدرات، وكيف يوفرنَ عملاً ودخلاً لأنفسهنَّ، وبهذا استفادت نسرين محمود صالح من موهبتها والشيء الذي تحبه، في إنشاء أول أكاديمية من نوعها في السودان، مارست عبرها تأثيراً واسعاً، قلَّ أن يتأتي لإنسانةٍ في مثل عمرها، وذلك بسببٍ بسيط وهي أنها اتبعت موهبتها وشغفها، فأصبحت موهوبة، ولم تحاول أن تتبع مواهب الآخرين وشغفهم فتصبح موهومة، بل أصبحت رائدة على مستوى السودان والوطن العربي. أما المثال الثالث والذي أحب أن تعرفه معي، فهو مثال عجيبٌ وغريب، أحب أن أسميه مثال الدكتور التاجر، أو التاجر الدكتور، وهذا المثال خاص بالدكتور أحمد أبكر محمد عبدالرحمن، تخرج أحمد أبكر محمد عبدالرحمن من كلية العلوم السياسية والدراسات الإستراتيجية بجامعة الزعيم الأزهري في العام 2006م . ثم واصل دراسة الماجستير في نفس المجال على الفور، فنال ماجستير العلوم السياسية والدراسات الاستراتيجية في العام 2008م، وكان يمكن أن يعمل في مجال التدريس الجامعي أو البحوث، لا سيما وأنه يمتلك شهادةً عليا في مجالٍ رفيع، ولكنه فضَّل أن يتبع موهبته، وأن يعمل في المجال الذي يحبه، فماذا كان هذا المجال ؟! كان التجارة !! كان يحب العمل بالتجارة، وكانت له سابق معرفة بالعمل التجاري حينما كان طالباً في المرحلة الثانوية، ولأنه يهوى هذا العمل وله موهبةٌ فيه، فقد قام بفتح محل لبيع مواد البناء بسوق السَّجَّانة، وسوق السجانة هو أكبر سوق لمواد البناء بالخرطوم وبالسودان، وفيه منافسة شرسة، وبه كبار تجار مواد البناء بالسودان، وبعد فتح محله واستقرار العمل به، بدأ أحمد أبكر بالتحضير لنيل درجة الدكتوراة في العلوم السياسية والدراسات الإستراتيجية، والتي نالها في مارس من هذا العام 2016م ، فأصبح بذلك الدكتور التاجر أو التاجر الدكتور، وأحدث نقلة نوعية بسوق السجانة، وهو الآن يحمل درجة الدكتوراة ويعمل بمحله، ويجني أرباحاً طيبة.. هذه النماذج الثلاثة هي نماذج للقيادة الملهمة، التي اتبعت موهبتها، وعملت في المجال الذي تحبه، وكنت أتمنى لو كان لدي برنامج تحفيزي، إذاً لقدمتهم لآلاف الشباب والشابات، لإتخاذهم نموذجاً يحتذى به وقدوة.. إذن ركز دائماً على التأثير، وأعلم بأنك شخص متفرد، ولك ميزة تنافسية خاصة بك وحدك، ولك موهبة اختصك بها الله سبحانه وتعالى وحدك، فأبحث عن هذه الموهبة واتبعها، وأصبح موهوباً، ولا تقلد الآخرين وتتبع مواهبهم فتصبح موهوماً.. وأعلم بأنك خلقت لهدفٍ عظيم، من قِبَلَ خالقٍ عظيم،، فانطلق،،،