قلنا بالأمس أن أنماط الاستهلاك الجديدة تسببت في زيادة حجم ونوع النفايات، وعجز الجهات المختصة يعود لبعض الممارسات التي جعلت المواطن يحجم عندعم وتمويل نظام التخلص من النفايات لأن التحصيل يجري على قدم وساق، بينما التخلص من النفايات كسيح فتذهب الرسوم الي مهب الريح. شهدت في مطلع التسعينيات تجربة جيدة تمثلت في دخول القطاع الخاص الى مجال خدمات نقل النفايات وأثبتت التجربة نجاحها ولكن اللجان الشعبية حينها وقد كانت صاحبة سطوة ( سطت) على تلك التجربة أملاً في أن تذهب الأرباح الى جيوبها، وقد تحقق لها ذلك بأوامر تمكينية دمرت تجربة رائدة لو قدر لها الاستمرار لكانت الخرطوم أنظف مدن العالم، ولكنه الفساد الذي استشرى حينها وزكمت رائحته الأنوف. في ستينيات القرن الماضي كانت النفايات عبارة عن تراب وبقايا عظام وزجاج مشروبات روحية، وكان هناك تدوير رائع يمثله عمك(المعا قزاز، والمعا جوالات، وصفائح، وعلب)، وما تبقى يذهب لبرميل النفايات، الذي يحتاج لأسبوع كامل حتى يمتلئ، ولطبيعة أغلب النفايات التي نادراً ماتحتوي على أطعمة أو سوائل فإنها كانت آمنة الى حد بعيد. لم ولن تجدي المحاولات الحكومية ولا مؤسسات القطاع العام في التخلص من النفايات، ومن الخطل التفكير في السماح لشركات أجنبية بالعمل في هذا المجال، والأفضل ترك الأمر للقطاع الخاص بشرط الشفافية في طرح العطاءات، وليس بطريقة دفن الليل اب كراعاً بره، الذي تسبب في فضيحة وكارثة القطارات التي كانت دليلاً على مدى تغلغل الفساد وتدميره لمقدرات وأموال الشعب. النظافة سادتي تبدأ بالتخلص من النفايات السلوكية والهبر والبلع، التي هي أساس البلاء ومرتع انتشاره، حتى يئسنا من وجود قوي أمين نثق فيه، نظفوا أولاً عقول من يتوسدون أمر الخدمات التي تقدم للمواطن، وكافحوا النفايات الأخلاقية التي هي السبب المباشر في هذا الهدر وستجدون حلولاً ناجعة في تاريخ تعاملنا مع النفايات، أو في تجارب الذين من حولنا، ويكفي أن لدينا كفاءات سودانية عالمية جاءت لتنقل تجربتها ولكن الجماعة (هبروا والهبرو ملو).