قدَّم الأستاذ الصادق أحمد آدم مكين بحثاً مميَّزاً نال به درجة الماجستير بتقدير ممتاز وهو يعتبر مرجعاً في علوم البيئة وملوِّثاتها ويمكن الاستفادة منه في المكتبة العلمية وتُنبى عليه خطط وسياسات للدولة والمؤسسات المعنية بالصحة العامة وصحة البيئة.. الدراسة هدفت إلى تقييم قدرة بذور الذرة الشامية «حديبة واحد وحديبة اثنين» على الإنبات والنمو وإزالة عنصر «الكادميوم» من التربة الملوّثة به.. وقد أجرى الباحث تجربتين إحداهما في المعمل والتجربة الأخرى في المشتل حيث أظهرت التجربتان أن بادرات الذرة الشامية لها القدرة على امتصاص عنصر «الكادميوم» من التربة الملوثة به بمختلف مستويات التركيز ويمكن أن تستخدم في المعالجة النباتية للبيئات الملوثة بعنصر الكادميوم.. إنني هنا سوف أركِّز على العنصر الكيميائي الذي يسمى «الكادميوم» والمشتق من الكلمة اللاتينية «Cadmia» والتي تعني كاربونات الخارصين والموجود الآن في كل موقع في المدن والأرياف بل داخل أي مطبخ وهو العنصر الضًّار والمدمِّر لكل الكائنات النباتية والحيوانية عن طريق الأكل أو الشرب أو الاستنشاق، وهو العنصر الذي يتعامل معه الناس بتجاهل واستهتار برغم أضراره الصحية والبيئية البليغة التي أكَّدتها الدراسات العلمية.. ولتوسيع دائرة المعرفة فإن «الكادميوم» يُستخدم في نطاق التصنيع وبشكلٍ واسع حيث يوجد في صفائح الزنك ومواسير المياه المعدنية وصناعة المواد البلاستيكية والبطاريات، وكذلك تُستخدم الأصباغ الملونة لبعض الملبوسات، وما أكثر مخلفات هذه المواد في نفاياتنا التي تُحرَق أحياناً في أطراف «الحيط» وأمام المنازل في براميل «القمامة والأوساخ». بل الأبعد من ذلك أن كثيرًا من المواطنين يستخدمون أكياس البلاستيك في حمل الفول المصري وهو ساخن وكذلك استخدامات أخرى بدون اكتراث أو تهيب وبلا رقيب أو توعية بمخاطر هذا المعدن الذي أثبتت الدراسات أنه من أكثر المعادن خطورة على الصحة والبيئة، والأخطر استخدام الأصباغ المصنعة من الكادميوم في الحنة وتلوين الشعر وهذه مادة متوفرة في كل مواقع البيع والشراء بالأسواق.. الكادميوم من أخطر المواد المسرطنة وتسبب أنواعاً متعدِّدة من السرطانات والتعرّض له يتسبَّب في أمراض القلب وضغط الدم والفشل الكلوي.. والأخطر أنه يعمل على تضخم القلب وله تأثير عالٍ على الأوعية الدموية.. الكادميوم يشكِّل تهديداً بيئياً وملوثاً ساماً للجو والتربة وما أكثر كما أسلفت الإهمال والإفراط والتفريط ونحن نتعامل مع المواد الكيميائية والمنتجات المصنعة منها وتحديداً النفايات البلاستيكية وحتى عربات النفايات التي تحمل أوساخ المحليات والإداريات للأسف الذين يعملون فيها لا يدركون خطورة هذه النفايات البلاستيكية والمواد الكيميائية الموجودة في هذه المخلفات لذلك نجد كثيرًا من المدن تخصِّص مواقع لمكب النفايات قريبة جداً من المناطق السكانية ويتم الحرق بصورة عشوائية جداً بدون مواصفات علمية.. إذا نظرنا على سبيل المثال إلى مدن كسلا ونيالا وحتى الخرطوم نجد النفايات يتم «كشحها» بأسلوب عشوائي جداً مما يؤدي إلى تلويث البيئة بل تدميرها بالمرة، وهناك ملاحظة أخطر من هذه تتعلق بذات الموضوع داخل المصانع التي تعمل في صناعة المواد البلاستيكية فهذه تعمل بدون إجراءات سلامة مهنية ونحن ندرك أن أهم طرق التعرض لمادة الكادميوم السامة هي الاستنشاق تليها الطرق الأخرى وذلك نتيجة «الغلايات» والماكينات التي يتم خلالها حرق هذا المعدن في مرحلة إعداده للتصنيع. نجد أن الناس تتساءل عن كثرة أمراض القلب والكلى والسرطانات بأنواعها خلال الفترة الأخيرة والتي كانت سبباً لكثير من الوفيات والتردُّد إلى مراكز العلاج والغسيل وللأسف بدون معرفة الأسباب ولكن بمراجعة البحوث والدراسات التي يجريها الباحثون أمثال ما قام به الصادق مكين والخلاصات والملاحظات التي توصل إليها ربما يعرف الناس السبب وراء كل هذا التدهور في الصحة والبيئة طالما وقفت كثير من المؤسسات عاجزة عن حماية الناس من هذه المخاطر التي باتت تحيط بحياة الجميع وتهدِّدها.. هنا لا بد أن أشير إلى ضرورة التوعية الجماهيرية عبر وسائل الإعلام والوسائط الأخرى حتى يعرف المواطن البسيط خطورة هذا السُّم الذي يحاصره من كل صوب وكل شيء من البقالة أو المتجر تجد «الواحد» يحمله في كيس أيًا كان المقاس، وكذلك أنواع العصائر في قوارير بلاستيكية غير مرتجعة والزيت في قارورة بلاستيك أو كيس وكل في النهاية نفايات ملوِّثة للبيئة إذا لم يتم التخلُّص منها بشكلٍ علمي وعلى درجة عالية من الوعي والإدراك.. اللهم نسأل الصحة والعافية للجميع..