* أبدأ اليوم بعون الله معاودة الكتابة الصحفية بعد فترة توقف لأسباب منها العام ومنها الخاص، وعبر هذه المحطة الجديدة في بلاط صاحبة الجلالة الذي ولجناه قبل ثلاثين عاماً تطوفنا خلالها على العديد من الصحف ونهلنا من معين أساتذة أجلاء كانت توجيهاتهم لنا هي الزاد الذي تزودنا به عبر هذا المشوار. * نواصل مشوار الكتابة اليوم عبر منبر (آخر لحظة) التي تم اختياري مديراً لتحريرها منذ بداية هذا العام، وكنت خلال هذه الفترة أحاول جاهداً العودة للكتابة لكن أعباء العمل في إدارة التحرير لم تمكني من ذلك رغم مطالبات العديد من الزملاء والإخوة الأفاضل الذين تابعوا مسيرتي مع الكتابة في العديد من الصحف التي عملت فيها من قبل. *وأنا أبدأ مشوار الكتابة فليسمح لي القارئ الكريم أن أبدأ بالحديث عن ما يعانيه الصحفي والصحافة عموماً في بلادنا، وعلى الرغم من أن الموضوع يبدو وكأنه شأن خاص بمن يعملون في مجال الصحافة، إلا أنه ينعكس أيضاً على قراء الصحف، لذا قصدنا أن نشركهم في همنا. *أكثر من قرن من الزمان هو عمر الصحافة في بلادنا، هذه المدة الطويلة كانت كافية بأن تجعل من مؤسساتنا الصحفية مؤسسات راسخة ترتكز على قاعدة اقتصادية متينة تضاهي كبريات المؤسسات الصحفية في محيطنا العربي على أقل تقدير ولكن ذلك لم يحدث لأن كل الحكومات التي تعاقبت على البلاد تعمل بشتى السبل على محاربتها فتضع أمامها (المتاريس) لتتعثر في المشي وتسن القوانين التي تجعلها مكبلة وترمي في طريقها (الأشواك). *لذلك أصبحت الصحافة مهنة وصناعة محفوفة بالمخاطر وواقع الصحافة اليوم كما قال عنه أستاذنا محجوب محمد صالح ناشر ورئيس تحرير صحيفة الأيام العريقة، هو واقع مأزوم مهنياً وتقنياً واقتصادياً وسياسياً، وحقيقة الوضع في صحافتنا مأزوم لأنها ما زالت تعمل وفقاً لهامش حريات يضيق ويتسع حسب حرارة الجوء السياسي وتسير في طريق تكثر فيه المطبات والإشارات الحمراء التي تجبرها على التوقف، ومأزوم لأن الصحف ما زالت تتعرض للمصادرات ومأزوم لأنه ليست هناك عدالة في توزيع الإعلانات الحكومية، ولأن الحكومة تتعامل مع مدخلات الطباعة ومطلوبات الصحف والمطابع بمثل ما تتعامل مع (التفاح) المستورد من لبنان أو (النبق) الفارسي. *هذا الوضع الذي تعيشه الصحافة انعكس بكل تأكيد على أوضاع الصحفيين، لأن كثيراً من الصحف (إلا من رحم ربي)، أصبحت بسبب هذه الأوضاع عاجزة حتى عن الإيفاء بمرتبات منسوبيها دعك من الامتيازات والمخصصات الأخرى التي يتمتع بها رصفاؤنا في دول محيطنا العربي. *الوضع الذي تعيشه الصحافة السودانية يعتبرهو الأسوأ خلال مسيرتها الطويلة هذه، وللخروج منه لا بد من تضافر جهود كل المشتغلين في هذا الحقل بالتشاور والتفاكر مع الجهات المعنية بالوصول إلى تفاهمات تعالج كل السلبيات التي أعاقت مسيرة الصحافة وفي مقدمتها إلغاء الرسوم المفروضة على مدخلات الطباعة التي كانت سبباً في ارتفاع كلفة صناعتها وهو ما جعل ملاك الصحف يضطرون لزيادة سعر النسخة رغم علمهم بما يعانيه المواطن المغلوب على أمره، وهو ما كان سبباً في تدني مبيعات الصحف وانعكس بالتالي على أوضاع الصحفيين، ولا بد أن تتضافر الجهود للوصول إلى تفاهمات لتوزيع الإعلان الحكومي لكل الصحف دون استثناء كحق وليس (منّة) تمتن بها الحكومة على الصحافة وتعطيها من (تحب).