٭ لا تزال صحف الخرطوم تحمل الأخبار السوداوية والمرعبة يوماً بعد يوم حول تلك الظاهرة الغريبة، ظاهرة الاعتداء على الأطباء العاملين بالمستشفيات الحكومية.. أخبار مزعجة لايكاد يصدقها عقل، حتى بات الكثيرون يتخيلون أن تلك المستشفيات بدأت تتحول إلى حلبات مصارعة وأماكن (للعراك). ٭ حادثة الاعتداء على الأطباء بمستشفى أمدرمان التي وقعت مطلع هذا الأسبوع هي امتداد لحوادث سابقة حدثت بسناريوهات تكاد تكون متشابهة، فقد شهد مستشفى أم درمان نفسه من قبل حادثة اعتداء بالضرب على طبية، وبسبب تلك الحادثة نفّذ أطباء المستشفى إضراباً عن العمل احتجاجاً على تعرض زميلتهم للضرب من قبل أقرباء مريض، دون تدخل أفراد الحماية، وترتب على ذلك الإضراب حدوث شلل في العمل وإغلاق قسم الحوادث، وشهدت مستشفى الفاشر ثلاث حالات كان آخرها اعتداء أحد أفراد القوات النظامية على أحد الأطباء، إلا أن أخطر تلك الاعتداءات التي تعرض لها الأطباء هو ما تعرض له المدير الطبي المناوب لمستشفى بحري التعليمي في أغسطس من العام الماضي، حيث قام أحد مرافقي مريض بإطلاق الرصاص عليه ومعه اتنين من كادر التمريض داخل عنبر الباطنيه. ٭ تكرار هذه الظاهرة جعل الأطباء يتخذون العديد من المواقف، منها الوقفات الاحتجاجية والتوقف عن العمل الذي أحدث شللاً في تقديم الخدمات العلاجية بالمستشفيات والمراكز الصحية، للضغط على الجهات المسؤولة، ودفع بعض الأطباء قضية الاعتداء عليهم بطرق فردية إلى ساحات القضاء، إلا أن كل ذلك لم يحد من تنامي الظاهرة، لذا فقد تعالت الأصوات المطالبة بسن قوانين عاجلة تحمي الطبيب والكوادر الطبية وتردع المعتدين . ٭ نؤكد أن العنف سلوك مرفوض مهما كانت مبرراته، خاصة إذا كان هذا العنف يمارس على إنسان يحاول جاهداً انقاذ إنسان آخر، ونؤكد ايضاً أنه لا يمكن أن يقوم مواطن بممارسة العنف على أي إنسان دون سبب، إلا إذا كان هذا الانسان يعاني من خلل نفسي، ولكن أي انسان عاقل لايمكن أن يؤذي إنسانا قط من أجل الإيذاء، فهناك أسباب تدفع المواطن الى اللجوء الى هذا الاسلوب، وحالات الاعتداء على الأطباء بعضها كان بسبب تعامل الكوادر الطبية بطريقة يراها مرافقي المرضى أنها استفزازية، ولا تقدر حالتهم النفسية، كما وأن للأطباء والكوادر الطبية ظروفهم الخاصة ببيئة العمل والمحيطة بحياتهم الخاصة كبشر، لذا يجب أن يتم الحوار بينهما بعيداً عن الاستفزاز لكسر الحاجز النفسي و نزع فتيل الأزمة بينهما. ٭لجنة أطباء السودان المركزية أصدرت بياناً حول حادثة الإعتداء على الأطباء بمستشفى أمدرمان، ألمحت فيه إلى تلك الظروف التي أشرنا إليها المحيطة بالأطباء والخاصة ببيئة العمل، والتي بكل تأكيد تؤثر على حالات العاملين في تلك البيئة، فقد أشارت اللجنة في بيانها إلى سوء البيئة الصحية في المستشفى وانعدام الاكسجين وسيارات الإسعاف والأدوية المنقذة للحياة، وقالت إن المستشفى يستقبل أكثر من (1500) حالة يومياً بقسم الحوادث، وأن عدد الأطباء والكوادر المساعدة غير كافية لاستقبال هذا العدد الكبير، بكل تأكيد إن واقع المستشفى حسبما أشار بيان اللجنة يصعب معه أن يقدم الأطباء (الابتسامة) كل الوقت لكل هذا العدد، مما يفسره البعض بصورة خاطئة ان الطبيب لا يرغب في تقديم الخدمة لهم. ٭ ظاهرة الإعتداء على الأطباء ليست (سودانية) المنبت فقد عرفتها العديد من الدول العربية، إلا أن تلك الدول استطاعت أن تحد من تناميها بتفعيل القوانين الصارمة التي تحفظ للجميع حقوقهم، ففي الكويت أجرت وزارة الصحة الكويتية تعديلات على القانون لحماية الأطباء من الاعتداء تضمن تغليظ عقوبة الاعتداء على الأطباء والأطقم الفنية المساندة، وتحويلها من جنحة إلى جناية، واعتبارالاعتداء عليهم ظرفاً من الظروف التي تستلزم تشديد العقوبة من قبل القاضي.. وفي العراق وضعت وزارة الصحة قوانين تحمي الأطباء من الاعتداءات، وفي الأردن استطاعت نقابة الأطباء من خلال العديد من الورش والندوات أن تحد من تنامي الظاهرة . ٭ مع تأميننا على تفعيل القوانين التي تحد من كل ظواهر العنف في المجتمع، نرى أنه لابد من تكثيف التوعية من مخاطر انتشار ثقافة العنف اينما وجدت.