أسدلت القوى السياسية المتحاورة بقاعة الصدأقة أمس الأول الستار وطوت صفحة الحوار الوطني، بعد أن صاغت مخرجاته وأجازتها لتصبح توصيات وضعتها على منضدة رئيس الجمهورية توطئة للشروع في تنفيذها، فهل يكمن الشيطان في تفاصيل التنفيذ رغم التزام الرئيس الشخصي بوضعها موضع التنفيذ الفوري؟ لاسيما وأن، ذاكرة الشعب السوداني ظلت تحتفظ بمقولة زعيم الحركة الشعبية الدكتور جون قرنق دمبيور عقب توقيعه على اتفاقية نيفاشا (الشيطان يكمن في التفاصيل) ولعل قرنق كان ينظر في تلك اللحظات للوطن يتمزق، فهل يعيد التاريخ نفسه أم أن الحكومة جادة هذه المرة في تغيير جلدها وجاهزة لتقديم تنازلات كبيرة وحتمية إذا ما رغبت في تنفيذ المخرجات؟ ظهور الصقور ربما بدأت الحكومة تكشر أنيابها في وجه مفاوضيها رغم الاحتفالات البهيجة بقاعة الصداقة والساحة الخضراء خلال اليومين السابقين، وبدأت صقورها في التحليق والالتفاف على مواقف حمائمها لتختطف جهد المقل الذي بذله 90 حزباً و35 حركة مسلحة خلال عام، وجاءت تصريحات عضو المكتب القيادي بحزب المؤتمر الوطني مساعد الرئيس السابق نافع علي نافع للزميلة (المجهر) صادمة عندما قطع بعدم ذهاب منصب رئيس مجلس الوزراء لغير حزب المؤتمر الوطني، ومن هنا ربما بدأ الشيطان أمامنا في تفاصيل التوصيات قبل وضعها موضع التنفيذ، بالتصريح الصادم الذي أحبط بعض الذين سال لعابهم عندما اُعتمد المنصب ضمن توصيات الحوار الوطني، ثم إن هنالك بعض التوصيات قبلها مناديب المؤتمر الوطني داخل لجان الحوار على مضض، واُعتمدت دون رغبتهم، فتلك ربما يلتف حولها الحزب الحاكم وصقوره ويستخسرها على القوى السياسية الصغيرة . دولة القانون ورغم إقرار أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم البروفسير الطيب زين العابدين بأن بعض توصيات الحوار جيدة وستحدث تطوراً في الدولة، وتحولها من دولة الحزب الواحد ،لى دولة الاحتكام للقانون والتعددية الديمقراطية وفصل الحزب من الدولة، وتخطو بها خطوات متقدمة نحو الديمقراطية، الا أنه بدا متشائماً من أن يقدم حزب المؤتمر الوطني تنازلات لتنفيذ توصيات الحوار المجازة، وقال في حديثه ل(آخر لحظة) إن الغالبية الساحقة من الأحزاب المشاركة في الحوار أحزاب غير معروفة كما أن قياداتها أيضا غير معروفة، وأبدى الرجل تخوفه من أن يستكثر المؤتمر الوطني عليها الحظوة بمناصب كبيرة، واسترسل في أن الحكومة لم تبد مرونة في تعاملها مع مطالب الحركة الشعبية خلال المفاوضات السابقة فيما يتعلق بالإغاثة، ورفضت تقديم تنازلات على دخول 20% منها عبر ميناء أصوصة الأثيوبي بدعاوى السيادة الوطنية، في وقت يقبع في دارفور أكثر من عشرين ألف جندي أجنبي، وربط بين تلك الواقعة وبين تنفيذ التوصيات، متهماً الحكومة بأنها تتمسك بالصغائر، لأن الأسباب التي أفشلت المفاوضات لم تكن كبيرة . ودفع زين العابدين بثلاث نقاط قال إنها مصدر تخوفه أجملها في تجربة تعامل الحكومة مع خارطة الطريق الأولى في بداية أنطلاقة حوار الوثبة في أكتوبر من العام الماضي، والتي تنصلت منها الحكومة، ما أدى إلى مغادرة بعض القوى السياسية الفاعلة طاولة الحوار إلى غير رجعة، والثانية تجربة الحكومة في التعامل مع المفاوضات الأخير، والثالثة سقوفات القوى التي تحاورت مع الحكومة في قاعة الصداقة وثقلها الجماهيري، ما يؤثر سلباً على وضعيتها وعدم قدرتها على فرض إراداتها على الحزب الحاكم . حوار الذات المنهكة كثير من القوى السياسية الممانعة شككت في نوايا حزب المؤتمر الوطني وفرضت شروطاً لم ترق للأخير، مما دفعها إلى رفض مبادرة رئيس الجمهورية والدخول في حوار، حتى أبحرت سفينة الحوار بمن حضر، وبقيت تلك القوى في موقف المراقب لما يدور داخل القاعة، ورغم أن زعيم حزب الأمة الصادق المهدي تحدث ايجاباً عن مخرجات الحوار في تصريح شهير، وقال إنها لبت كثيراً من مطالبات المعارضة، إلا أن بيان صادر من حزبه أمس الأول وصف الحوار بانه (حوار الكراسي الفارغة) وتوقع تنصل الحزب الحاكم من التنصل رغم أنه تحاور مع حلفائه، وبذات النبرة وصف الأمين العام للحركة الشعبية ياسر عرمان حوار الوثبة في بوست له على صفحته بفيس بك قائلاً: إنه (حوار الذات المنهكة) ولم يشأ أستاذ العلوم السياسية بجامعة أم درمان الأسلامية دكتور صلاح الدومة إلا أن يرمي الحوار بسهم في قلبه وقال في حديثه ل(آخر لحظة) إن الشيطان يكمن في مرحلة ما قبل وأثناء وبعد إجازة التوصيات، وأضاف أن المؤتمر الوطني لا تتوفر عنده الإرادة الوطنية التي تدفعه إلى التنازل عن السلطة في مقابل تضميد جراح الوطن، ولملمت شتاته، دافعاً بعدد من التجارب التي خاضتها بعض القوى السياسية معه، متوقعاً خلافات بين القوى التي تحاورت معه خلال مرحلة التنفيذ .