لا يكاد المؤتمر الوطني يمارس استعلائية سياسية، حتى يتبعها بممارسة تبرهن ميله الصارخ للانفراد بالسلطة، وتدلل على ولعه غير المنكور لاحتكار المشهد السياسي. انظر إلى مقترحات الحزب الحاكم لحل أزمة البلاد، ستجد أنه يفكر بفوقية سادرة في الإقصاء..! وتفحّص مواقفه جيداً، لتصل إلى قناعة واحدة، وهي أن المؤتمر الوطني لا يسعى إلا لشراء الوقت، وأنه غير مهموم بالتوافق على رؤية جماعية لإنهاء أزمات الوطن المتراصة، ومشكلاته الممتدة. فالناظر إلى موقف الحزب الحاكم من جملة القضايا التي يتفاوض حولها مع خصومه السياسيين والعسكريين، سيجد أنه يصر إصرارا عجيبا على عدم تقديم أي تنازلات. هو في ذلك كمن يراهن على إنجاز السلام والمصالحة الوطنية، دون أن يقتطع جزءا من مخصوصاته. وظني أن هذا أمر يتعارض مع فكرة الحوار نفسها، ذلك أن الجلوس إلى مائدة المفاوضات يعني التخلي عن بعض المواقف الراسخة والمتحركة، وتقديم من التنازلات ما يدفع عملية التفاوض إلى الأمام. وهذا الأمر غاب تماماً من المفاوض الحكومي في جولة المفاوضات الماضية، في حين أن خصومه السياسيين والعسكريين، لم يمانعوا من تقديم ما يدفع بعجلة الحوار إلى الأمام..! ولذلك فإن من يتفحّص رؤية المؤتمر الوطني لحل الأمة السودانية في مسارها السياسي والأمني والاقتصادي، سوف يتيّقن بأن الحزب الحاكم لن يتخلى عن مفاهيمه القديمة، المرتكزة على المحاصصة، وتقاسم السلطة مع الأحزاب، كيفما كانت الوسيلة، ومهما كانت الطرائق..! ففي الوقت الذي تدعو فيه أكثرية "أحزاب الوثبة" التي قبلت بالمشاركة في الحوار الوطني، إلى التواثق على رؤية موحدة بمشاركة الجميع، وتنادي بالتوافق على حكومة انتقالية أو حكومة مهمات أو برنامج وطني، يخرج قادة المؤتمر الوطني ليقولوا للناس إنه غير مسموح بتفكيك الإنقاذ، وإن الحوار الوطني يهدف لمشاركة الأحزاب في السلطة. وظني، أن ذلك يمكن أن ينسف فكرة الحوار نفسها..! قناعتي، أن أسوأ ما في فكرة الحوار، هي إحتضان المؤتمر الوطني، لبعض قادة الأحزاب ممن جاءوا إلى حوار قاعة الصداقة، تسبقهم طموحاتهم الشخصية من اجل الحصول على بطاقة الاستوزار. في حين أنه يتعامى – أي الحزب الحاكم - عن أطروحة الأحزاب ذات التجربة السياسية الراسخة، لحل الأزمة السودانية، ولا سيما تلك التي ارتضت أن تكون جزءًا من الحوار بكل ما فيه من علل، يحفزها في ذلك رغبتها لإيجاد نقطة يتلاقى عندها الفرقاء السودانيين، لابتدار حوار حقيقي ومنتج. وهنا يكفي الإشارة إلى موقف قادة حزب الأمة وحزب المؤتمر السوداني، الذين تناسوا كل المرارات التي لحقت بهم من الحكومة، ووضعوا هدفا نبيلا نصب أعينهم، وهو إنجاز التسوية القائدة إلى الاستقرار..! ولكن للأسف مع ذلك يصر المؤتمر الوطني على أن يتسّمر في ذات المربعات القديمة، مما جعل الأحزاب التي تحركت ناحية الحوار، تجد نفسها في موضع السخرية، من قبل القوى السياسية التي رفضت الاستجابة إلى الحوار بظروفه وشروطه الحالية. ولذلك المطلوب من المؤتمر الوطني العمل على إنقاذ الحوار، وإخراجه من غرفة العناية المكثفة التي دخل إليها بتعنت مفاوضيه، حتى لا يخرج الحوار محمولا في تابوت، وحتى لا يُقبر إلى الأبد. (الصيحة)