*(الموصل) ثاني أكبر مدن العراق، وأهمها علمياً وثقافياً.. التي صارت بين يوم وليلة منذ عامين عاصمة للجهل والخرافة والجريمة على يد (الدواعش) تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام.. تتحدث الأنباء عن أنها تنتظر الآن (لحظة التحرير) بين كل ساعة وأخرى، بعد أن إكتملت الاستعدادات اللوجستية والحشود المطلوبة للمعركة الفاصلة. *تحيطها الآن الجيوش.. الجيش الوطني العراقي، الجيش الكردي (الباشمرقة)، طيران التحالف الدولي وخبراؤه ومستشاروه وقواته الخاصة (67 دولة) الحشد الشعبي (الشيعي)، الحشد العشائري (السني) والمدربون الأتراك، الذين دخلوا العراق عنوة واخترقوا سيادته، خلافاً لرغبة السلطات العراقية في بغداد بقيادة العبادي الذي أعلن على رؤوس الأشهاد مطالبته بجلاء تلك القوات التركية.. فرد أردوغان بعنجهية (عثمانية) موروثة على العبادي بأنه يجب أن (يعرف حدوده)، وأن قيادة الجيش التركي التي تتمركز قواته في (بعشيقة)- إحدى أرياف الموصل- هو الذي يقرر إلى متى يبقى ومتى ينصرف! *على المستوى الإنساني.. تقارير الأممالمتحدة تتوقع نزوح ما يقارب المليون نسمة.. كأكبر عملية نزوح جماعي منذ الحرب العالمية الثانية.. وهي على كل حال تعمل (ما في وسعها) لاستيعاب أكبر قدر ممكن بنصْب معسكرات الإيواء.. وآخر إحصاءاتها تقول بإن (وسعها) لم يتعد حتى الآن، وقبل ساعات من إنفجار المعركة أكثر من (50 ألف) مطرح للنازحين من ذلك الرقم الملوني.. وتلك في حد ذاتها مأساة، وربما سيصبح على هؤلاء الخمسين الفاً أن يتدبروا ويتقاسموا المأوى واللقمة مع مئات الآلاف من إخوانهم الذين ستدفع بهم الحرب إلى الفرار. *من المخاطر المتوقعة فور اقتحام الجيوش للمدينة وسقوط دولة الدواعش.. الذي يبدو حتمياً بالحسابات العسكرية المعلنة.. هو ذلك الدور الغامض الطائفي والتخريبي للحشد الشعبي الشيعي، الذي تتولى كبره مليشيات تسلحت وتدربت وتأدلجت على يد الحرس الثوري الإيراني (الباسيج).. فهناك مخاوف حقيقية أن يواجه سكان الموصل وأغلبهم من المواطنين (السنة)، تلك الجرائم البشعة التي مارستها هذه المليشيات في قضاء صلاح الدين وفي الأنبار وفي الفلوجة.. ذلك الاستهداف (الموثق بالصوت والصورة) للمواطنين السنة مطاردة وقتلاً وتعذيباً منهجياً. *فقادة هذا الحشد يجدون في هذه المعارك ضد الإرهاب فرصة للانتقام وتفريغ شحنات الكراهية والمواجد (التاريخية) تجاه المواطنين السنة، الذين يصنفونهم ب (النواصب) مسؤولين، كما أسلافهم عن (تنصيب) أبوبكر الصديق – رضي الله عنه خليفة- ظلماً وعدواناً على الإمام علي– كرم الله وجهه- صاحب الحق المنصوص عليه بحديث الغدير: (من كنت وليه فعلي وليه) أو كما يزعمون.. وهم بذلك يعيدون (الموصل) إلى معركة ومعارك أخرى (تاريخية) عمرها أكثر من ألف عام.. معارك الفتنة الكبرى وقصة التحكيم التي دارت في ذات المنطقة وقرب المدينة بين على ومعاوية.. فنحن – كما كتبتُ مراراً- العرب والمسلمون لازلنا نعيش عصر الفتنة الكبرى ونعرض بذات السيوف والرماح على وقع الطبول الموروثة، ونمتح من ذات الأواني الصدئة وطعامها الآيدولوجي المتعفن.. وكأنما الزمن قد تسمر هناك عند نهايات (الخلافة الراشدة).