أورد الأستاذ عباس محمود العقاد في كتابه(مطلع النور) معلومات ثرة عن نبي الله شعيب عليه السلام، ولكنها مع ثرائها وجدتها، تثير الدهشة والحيرة، وربما الاستنكار، من قبل الحفاظ السلفيين، وسدنة التراث المعرفي الإسلامي.. ذلك لأنه اعتمد في إثباتها والاستدلال بها على الإسرائيليات، أو فلنقل تحديداً على ما ورد بالتوراة والإنجيل، وما حفلت به المدونات الكنسية، من شروح لنصوص الكتابين المذكورين.. ومرجع الغرابة في تلك المعلومات، أنها تذهب إلى ترجيح قيام نبي الله شعيب بتأسيس مدينة يثرب أو المدينة، بعد أن أنزل الله العقاب على قومه، وهجر حاضرة قومه(مدين) على نحو ماسيرد لاحقاً.. ويربط الأستاذ العقاد بين اسم هذا النبي الكريم الذي اشتهر به في اللغة السريانية(يثرون) واسم مدينته(مدين) بما اشتهرت به المدينة من أسماء، أشهرها(يثرب) التي اشتقت من اسمه يثرون (والمدينة) التي صحفت من مدين.. ومما عضد من هذه الرؤية، أن التراث الإسلامي يؤكد أن الأنبياء الذين أرسلوا لأمم وشعوب عجل الله عذابها، سواء كان ذلك بالصيحة أو الزلزلة، أو الرجم بالنيازك والشهب، أو الريح العقيم، إلى غير ذلك من صنوف العذاب المهلك، هاجروا لقضاء ما تبقى لهم من أجل، في جوار بيت الله الحرام، ولهذا قيل إن معظم هؤلاء الأنبياء، مدفون بحجر إسماعيل، أو في مواقع داخل صحن المسجد، أو في عرفة.. بخلاف ابن تيمية، الذي ذهب إلى أنه لم يتأكد من قبور الأنبياء إلا قبر نبينا صلى الله عليه وسلم، وقبر سيدنا إبراهيم عليه السلام.. ولاستجلاء الحقيقة حول ما أورده الأستاذ العقاد استعنت بالعديد من المراجع والقواميس، ففي قاموس الكتاب المقدس، ورد عن اسم يثرون مايلي: اسم مدياني معناه فضل ، وبالأنجليزية Jethro. كاهن مديان، وحمو موسى (خر 3: 1). ويدعى أيضاً رعوئيل (خر 2: 18). أي صديق أو خليل الله. ويظهر أن هذا الاسم كان اسمه الشخصي، ويثرون لقب شرف أطلق عليه. وبينما كانت بناته السبع يرعين أغنامه، أسدى إليهن موسى الهارب من مصر خدمة، أدت إلى تعرفه بأسرة يثرون وزواجه بصفورة إحدى بناته. ورعى موسى أغنام حميه مدة 40 سنة(خر 3: 1 و 2 و اع 7: 30). ثم دعاه الله، فرجع إلى مصر، وأخرج العبرانيين. ويرجح أن يثرون كان من إبراهيم وقطورة(تك 25: 2). أما الموسوعة الحرة فقد ذكرت: يقال إنه ابن ميكيل بن يشجن، ويقال له بالسريانية يثرون، ويقال أن جدته أو أمه هي بنت لوط، والثابت هو أنه من مدين، الواقعة في أطراف الشام. في منطقة وادي شعيب في الأردن.. آمن شعيب بنبي الله إبراهيم , وهاجر معه ودخل معه دمشق, وكان فصيحا مفوها، حيث كان بعض السلف يسمي شعيبًا بخطيب الأنبياء لفصاحته وحلاوة عبارته وبلاغته في دعوة قومه إلى الإيمان، أرسل إلى أهل مدين برسالته كما جاء بالقرآن الكريم (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ)(الآية 85)(سورة الأعراف). أما في التراث الإسلامي فقد ورد عن هلاك قومه ما يلي: عندما اشتط بقومه الكفر، حل بهم العذاب قال تعالى: -فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين- ويقول: -فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة انه كان عذاب يوم عظيم- الآية رقم 189 من سورة الشعراء.ةوورد في كتاب قصص الانبياء في القرآن: ابتلي قوم شعيب بالحر الشديد، لا يروي ظمأهم ماء، ولا تقيهم ظلال ولا تمنعهم جبال ففروا هاربين، ورأوا سحابة مظلة لهم من وهج الشمس، وحسبوها ستارا من شدة الحر، فاجتمعوا تحتها، ولكن ما ان اكتمل عددهم حتى بدأت الغمامة ترميهم بالشرر، وجاءت الصيحة وعذاب الظلة من السماء، وزلزلت الارض من تحت أقدامهم فأهلكوا وصاروا من الغابرين عندئذ تأسف عليهم نبي الله شعيب وقال بعد ان تولى عنهم: «يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين» الآية رقم 93 من سورة الاعراف. ويذهب أهالي بلدة عيشرون في الجنوب اللبناني إلى أن اسم بلدتهم مشتق من الاسم (يثرون) وأن ثمة شواهد ودلائل مادية ترجح أن نبي الله شعيب أو يثرون مدفون بالبلدة، حيث يقال إن باحثاً في الحضارات التاريخية عثر في بلدة عيثرون على ناووس يتسع لشخصين حيث نقش عليه من الخارج رسمين (امرأة ورجل). الرجل يرتدي ثوب كهنة او ثوب قضاة، وقد هشم رأسيهما لإخفاء تلك المعالم، ولكن الباحث أكد بأن هذا الناووس يرجع الى النبي يثرون (ع) مع زوجته، والنبي يثرون ينحدر من سلالة ابراهيم الخليل(ع).. والسؤال الذي يفرض نفسه، بعد الذي أوردناه، ما مبلغ صحة المعلومات التي ساقها الأستاذ العقاد عن ارتباط تسمية المدينةالمنورة ويثرب بنبي الله شعيب أو يثرون؟.