ü قد يبدو غريباً الآن إذا اتجهت بوصلة الاستقرار إلى الحالة الأقل سخونة ويمكن وصفها بحالة اللا«برودة» واللا«سخونة»، وقد يبدو أكثر غرابة إذا قلنا بعد أن بدأت ساعة الوحدة تدق ويعلو صوتها تدريجياً لكنها لم تصل إلى ميعاد الثبات بعد، ومهما كانت الأوراق مبعثرة وتشابكت الخطوط المرسومة من سياسيي الجنوب، فإن الانفصال يتقدم خطوة وخطوات لكن مسافته بدأت تقترب، إلا أن الجميع في الشمال حكومة ومعارضة بدأ يشعر بمخاطر الانفصال على مستقبل السودان ولم يدخر المؤتمر الوطني جهداً لتجنيد كل إمكاناته وذكائه السياسي لجعل الوحدة جاذبة وضرورية، حفاظاً على وحدة السودان. ü من ناحية أخرى ها هي المعارضة الشمالية تغير مواقفها تجاه الحركة الشعبية، وبدأت الآن بشن حملة شعواء عليها بأن الحركة خدعتها واستغلت مساندة المعارضة الشمالية لها، وكسبت من وراء ذلك مما رفع سقف المفاوضات والحوار مع شريكها المؤتمر الوطني.. بل اتهمت المعارضة الشمالية الحركة الشعبية بأنها لم توف بأي وعود وتعهدات التزمت بها مع التجمع الديمقراطي المعارض، وأن الحركة كشفت عن تمسكها بأفريقيتها ورفضها التام للانتماء العربي والإسلامي، ورفضت العباءة التي يلبسها سياسيو المعارضة الشمالية. ü هذا التغيير المفاجئ والنظرة الجديدة من المعارضة الشمالية «التجمع الديمقراطي المعارض» تجاه الحركة الشعبية له دلالات ومؤشرات خطيرة بالنسبة لوضعية المعارضة الشمالية، فهنالك احتمالات عدة: أولاً: هل فكرت المعارضة الشمالية بعد فوات الأوان أنها كانت تراهن لإسقاط النظام، عندما راهنت على حصان لا يصلح ولا ينافس في ميدان السباق. ثانياً: هل تيقنت المعارضة ورموزها أن تحالفها مع الحركة الشعبية كان هشاً، وأنها تتحالف مع شريك لا يلتزم ويناقض العهود والالتزامات. ثالثاً: لماذا انفض الزواج بين المعارضة الشمالية والحركة الشعبية في هذا الوقت بالذات وقبل الاستفتاء.. وهنا علامة استفهام كبرى..؟! رابعاً: هل تراجعت المعارضة عن فكرتها بتحميل المؤتمر الوطني المسؤولية التاريخية إذ في عهد حكومته انفصل السودان وتشرذم.. وإذا كان هنالك تراجع، هل يفسر ذلك أن المعارضة عاد إليها الوعي وأيقنت أن انفصال الجنوب تقع مسؤوليته على الجميع.. وخاصة المعارضة التي كانت سنداً وعوناً للحركة الشعبية وضد المؤتمر الوطني دوماً.. خامساً وأخيراً: هل تفسر هذه التحولات أن المعارضة الشمالية بتغيير نظرتها تجاه الحركة الشعبية.. تحولت تحولاً خطيراً.. وهل يعني أن الجنوبيين ضمنوا تأثير جهات أخرى أكثر قوة من المعارضة الشمالية، بعد أن اكتشف سياسيو الجنوب أن المعارضة الشمالية لا حول لها ولا قوة ولن تكون «المعارضة» قادرة على إسقاط النظام الذي تحاربه بأضعف الإيمان «التصريحات النارية». ü حزب المؤتمر الوطني يرى ضرورة إجراء الاستفتاء في موعده وهذه حقيقة لا جدال فيها.. لاستيفاء آخر بند في اتفاق نيفاشا لكي لا يظهر أمام العالم أنه أخلَّ بشروط نيفاشا، ولكي لا تجد الحركة الشعبية وقوى المعارضة شماعات تعلق عليها لافتات تقول إن المؤتمر الوطني ينقض العهود والمعاهدات ولا يتلزم بالاتفاقيات.. ففكرة الانفصال وإن كانت تعشعش في عقل كل مواطن جنوبي، بفعل تأثير السياسيين وأطروحاتهم التي ترغب المواطن العادي للإيمان بالانفصال عن طريق تغذية فكره بأن الشمال العربي الإسلامي يضع الجنوبيين في خانة الدرجة الثانية من المواطنة، وأن علاقة الشمال بالجنوب «أسياد وعبيد». ü وبالرغم من الموقف الثابت لحزب المؤتمر الوطني بالتمسك بوحدة البلاد وعدم فصل الجنوب عن الشمال، هذا الموقف أيضاً يتماشى مع خيار الراحل د. جون قرنق الذي يؤمن بوحدة الأراضي السودانية «السودان الجديد» الذي لا يفصل الشمال عن الجنوب، لكن السياسيين الجنوبيين الجدد الذين رأسوا الجنوب بعد قرنق انحرفوا عن سياسة قائدهم ومؤسس الحركة الشعبية الراحل قرنق. ü حزب المؤتمر الوطني يدرك تماماً أن الانفصال لا يعكس وجهة النظر الحقيقية للجنوبيين جميعهم، ولكن المواقف الشائكة ونقاط الخلاف التي حدثت بين طرفي نيفاشا في الخمس سنوات الماضية ومنذ توقيع اتفاق نيفاشا، لعبت فيه المعارضة الشمالية دوراً مهماً في تأليب الحركة على المؤتمر الوطني. -نواصل-