زيارات عدة.. قمت بها لمتحف اثنوغرافيا السودان فتحت عيني على كثير من تراث اجدادي وآبائي.. رغم الاحباط الذي انتابني في آخر زيارة قمت بها يوم أمس... فقد كان الطابع العام للمتحف، هو خلوه التام من الزوار كما في كل مرة دخلته فيها... في هذه المرة بالذات.. قصدت استقصاء بعض المعلومات عن «الساقية» التي كانت تستخدم لاخراج المياه من النهر بغرض الزراعة ... ولم أجد في المرفقات «التوضيحات الكتابية» اسم الولد - أو الشخص - الذي يعمل على الساقية ويدير «الثيران» التي تكدح لساعات طوال... فما كان مني إلا أن سألت المشرفين في المتحف عن اسم من «يسوق الساقية»... المدهش أنني لم أجد اجابة... وأخذنا جميعنا «ننجُر» فاحدنا يقول «التربال».. وآخر يقول «الواسوق»... وقد وجدت نفسي مقصراً في حق جدودي أيما تقصير... وأحسست بورطة وأنا أبحث في «رفوف» ذاكرتي عن هذه الكلمة... دون أن أجني سوى غبار تراكم «فلاشات» هنا وهناك... وجهني المشرفون على المتحف بالذهاب لمكتب مدير التراث... والتي أنقذتني من تلك الورطة... وحسمت الجدل.. وأزالت غشاوة من ذاكرتي بكلمة «اروتي» - بسكون الراء والواو المفتوحة وكسر التاء مع التشديد والياء الساكنة- فكانت هي الكلمة التي كادت أن تسقط من الذاكرة.. ولكن... الأستاذة مناهل مصطفى مديرة التراث بالمتحف.. أتحفتني بقصص يشيب لها الولدان... فحكت لي أن مجموعة من طلاب جامعة كبيرة وعريقة... يدرسون التراث.. في المستوى الرابع.. اجمعوا على برنامج لزيارة متحف اثنوغرافيا السودان... والذي يبعد عن قاعات محاضراتهم تلك... بضع أمتار.. ولا يحتاج حتى لاستغلال مركبة للوصول اليه... إلا أن هؤلاء الطلاب ذهبوا - وبنفس الطريق التي بها المتحف - حتى وصلوا قاعة الصداقة.. وهم يسألون المارة عن موقع «الاثنوغرافيا»..!!! لاحظوا أنهم طلاب آداب و«تراث».. وقد شكت لي مديرة التراث بالمتحف من عدم زيارة السودانيين للمتحف... صغارهم وكبارهم... على الرغم من انه يفتح أبوابه.. وبالمجان.. دون تذاكر أو رسوم... لا يكلف المرء منا سوى بضع دقائق.. يلقي خلالها النظر على حضارات مهمة.. ويستشعر كيفية تفكير الأجداد الذين أنجبوه ومن معه... فهل هذه «الدقيقات» كثيرة على آبائنا...؟