أبيي تلك المنطقة الواقعة في ولاية جنوب كردفان أصبحت محل جدل سياسي وقضية صراع اقليمية حول تبعيتها إلى حدود الشمال أو الجنوب بعد أن تم انشاء بروتوكول خاص بها في اتفاقية السلام الشامل بنيفاشا وتم ترحيل المشكلة منذ ذلك التاريخ باتخاذ قانون استفتاء خاص بها وادارة تنفيذية ايضاً خاصة بها وتقسيم عائد البترول فيها عبر نسبة محددة لقبيلتي المسيرية ودينكا نقوك وللولاية ، وهكذا تعقدت الأمور فيها وتمرحلت عبر الخمس سنوات فترة تنفيذ الإتفاقية لحين الاستحقاق الثاني وهو استفتاء جنوب السودان لتحديد الانفصال أو الوحدة. ومن حينها والمنطقة تشهد حالات شد وجذب سياسي مرت عبره بفترات عصيبة حول الأرض وترسيم الحدود شمالاً وجنوباً وتداخل قبائل المنطقة وتعايشهم على حدود التماس ومن الصعب تحديد وترسيم المنطقة بحكم طريقة العيش لقبيلة المسيرية التي تتجول مع الماشية جنوباً إلى بحرالغزال وتواجد قبيلة دينكا نقوك بمشايخها التسعة في المنطقة كمزارعين أو رعاة مما شكل وضعاً استثنائياً وفي جدلية رفض قرار اللجنة الفنية المعنية بترسيم الحدود بعد اتفاقية السلام الشامل والتي عرفت حينها بتقرير لجنة الخبراء!! قرار لاهاي!! الشريكان عندما لم يتفقا حول تقرير لجنة الخبراء تم رفع الأمر إلى محكمة لاهاي للتحكيم والتي إعادة ترسيم الحدود بالمنطقة وضمت مناطق لدينكا نقوك وأخرى للمسيرية ورحبت الحركة بالقرار بينما رفضت قبيلة المسيرية الحكم وظلت المشكلة عالقة بين الشريكين ورحى التصريحات تطحن أي حل أومبادرة تبدو على الأفق السياسي!! حق التصويت لمن!! ومع اقتراب موعد تسجيل الناخبين للاستفتاء وموعد تاريخ استفتاء جنوب السودان في التاسع من يناير 2011م برز الخلاف حول من يحق له التصويت من سكان أبيي حيث اشار بروتوكول ابيي إلى قبائل دينكا نقوك والقبائل الأخرى المقيمة من هنا برز الإختلاف في تعريف القبائل الأخرى المقيمة حيث اعتبرت قبائل المسيرية أنها من القبائل التي يحق لها التصويت بحكم تواجدها التاريخي بالمنطقة وترحالها دليلاً تواجدها عبر السنين. مؤتمر اديس ابابا: الإدارة الأمريكية اقترحت حلاً تم طرحه في طاولة التفاوض باديس ابابا بين أطراف النزاع بالمنطقة مثل فيها الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني وفد قبائل دينكا نقوك وأعيان من قبيلة المسيرية ولم يخرج المؤتمر بحلول ترضي الطرفين حيث أصر المسيرية على قرارهم بحقهم في التواجد والتصويت. قبيلة المسيرية رفضت المقترح الأمريكي وقالت إنه قيم الحيوان ومنحه حق التجول ورفض الاعتراف بهم كانسان مقيم بالمنطقة حرفته الرعي ومكانه في تجواله يحكم طريقة العيش المعروفة في كل العالم!! وأخيراً طرحت الوساطة الأفريقية برئاسة ثامبو امبيكي مقترحاً رأى فيه ضرورة التعايش السلمي مع ضم ابيي للجنوب والسماح للمسيرية بالتجول في مسارات معينة وايضاً تم رفضه من قبل الحكومة والمسيرية الذين رأوا أنهم ظلموا من كل الحلول التي قدمت وتمسكوا بحقهم التاريخي بالمنطقة واستعدادهم للدفاع عن هذا الحق على حسب قول اعيانهم وبرزت ايضاً تصريحات من حكومة الجنوب بضم المنطقة إلى الجنوب اذا لم تحل قبل الاستفتاء في خطوة استباقية وبعد ان نشرت قواتها بالمنطقة على حسب التقارير الصحفية التي تناولت ذلك. الملاحظ أن المبادرات الوطنية لم تجد حظها وأن المجتمع المدني والمنظمات لم يقدم الكثير لحل المشكلة التي من الممكن اعتبارها برميل بارود في انتظار اشعال فتيله ليعود بالسودان إلى مربع الحرب الأول اذا لم يتم التوافق على حل يرضي الجميع!! مجموعة الازمات والمنظمات ابرزها منظمة لونة لفض النزاعات ونشر ثقافة السلام طرحت مؤخراً مبادرة في مؤتمر صحفي عقدته بها نقاط ايجابية لحل المشكلة وسلمت الشريكين ملفاً للمبادرة على أمل أن يتم دراستها لحل القضية التي استعصت على الجميع وفق رؤية وطنية خالصة والمبادرة على حد قول مديرة المركز د. غادة يوسف تضم مشاركة كبيرة من قطاعات في الجنوب والشمال من اكاديميين وسياسيين وخبراء وأهم خطوطها العريضة ضرورة الرجوع إلى مواطني المنطقة والإدارة الأهلية وتعايش الجميع وتقاسم الثروة وبدءاً لتنمية فوراً واجراء معالجات وتعويضات من الحكومة و الحركة معاً وتأكيد الرغبة والإرادة السياسية الحقيقية واشراك الولايات المتاخمة في الحوار والحل ، حتى لا تنتقل المشكلة اليها وحل قضية الترحال والمسارات في حالتي الوحدة أو الانفصال. الموقف الآن: صمت المجتمع المدني منذ بداية المشكلة ساهم في تفاقمها وترك احزاب المعارضة المشكلة ما بين الشريكين هروب واضح من المسؤوليات الوطنية في أكبر قضية داخلية يمكن ان تكون الشرارة التي تحرق الأخضر واليابس من الأرض التي تنتظر السلام!! حكومة الجنوب من جانبها وعلى حد تصريحات بعض قادتها لمحت إلى أن حل المشكلة يمكن ان يكون في قرار أحادي من جانبها وضمها لابيي من داخل برلمانها وشرعت في عملية العودة الطوعية لدينكا نقوك خاصة مع بداية عملية التسجيل للاستفتاء وفتحت لهم مراكز ايواء وبدأت احصاءهم تمهيداً لاستفتاء ابيي!! المؤتمر الوطني أعلنها بوضوح خلال المؤتمر الشوري للحزب بأن قال لا استفتاء في ابيي بدون المسيرية واضعاً حداً نهائياً لكل الحلول التي يمكن تكون مبيناً المعالم لخارطة طريق في أخطر مرحلة في تاريخ السودان. المسيرية من جانبهم اعلنوا جاهزيتهم لمواجهة كل الاحتمالات وفي خطوة استباقية اعلنوا عن تشكيل حكومة بديلة عن الإدارة التي تم تعيينها للمنطقة من قبل هيئة الرئاسة. الخطوة اعتبرتها الحركة مسرحية مكشوفة وانها سوف تقود البلاد للحرب فيها ووصفها المؤتمر الوطني بانها تداعيات لاستفزازات الحركة بالمنطقة وما تقوم به من حرمان للمسيرية لحقوقهم. ومن كل هذه التفاصيل يبدو المشهد ساخناً بالمنطقة وملتهباً بالتصريحات وسريعاً بالتحركات وسط جملة من القضايا والتحديات على طاولة السياسة السودانية وهي في أخطر مرحلة تاريخية وذكرى الاستقلال الخامسة والخمسين تحل بالبلاد ومآلات الاحداث تشير إلى تغيير محتمل في جغرافية الأرض وفيوغرافية السكان!! الخروج من المأزق: رغم كل الحلول التي طرحت ما زالت قضية ابيي عالقة وملتهبة لدرجة ان المتحدث باسم الخارجية الامريكية صرح أخيراً بأن الاستفتاء على مصير منطقة ابيي الحدودية لن يجرى في التاسع من يناير المقبل تزامناً مع استفتاء جنوب السودان ولكن أضاف انهم سوف يواصلون التشجيع للوصول للحل بين الشريكين. فيما انخرط الوسيط الأفريقي ثامبيو امبيكي في مباحثات مارثونية مع الشريكين في محاولة أخيرة وسباق ضد الزمن لالحاق استفتاء ابيي مع الوعد المضروب ولكن خرج أخيراً بتصريح عن تعليق مفاوضات الشريكين إلى أجل غير مسمى وتبقى كل القضايا العالقة ايضاً تحت رحمة الانتظار. ولكن من وجهة النظر الموضوعية للخروج من هذا المأزق نطرح الحل الآتي لماذا لا يتم اقتسام المنطقة جغرافياً مناصفة بين الشمال والجنوب وما فوق الأرض وما تحته يظل لمن تقع الأرض في حيزه الجغرافي مع ضرورة تنفيذ كل الأعمال والمشاريع التنموية المباشرة لكل منطقة وسكانها على الفور حتى لا يكون هناك حاجة أو سبب للاحتجاج وهذه الخدمات التنموية تملأ فراغ الحاجة إلى ضرورة الحركة والرعاة لقبائل المسيرية بتوفير كل معينات حياة الاستقرار والرعي الاقتصادي بتوفير الحفائر والاعلاف للمواشي كذلك مشاريع التنمية الثابتة لدينكا نقوك بالجانب الآخر من قبل الحكومة في الجنوب وكذلك دور الحكومة في الشمال وبهذا تنتهي القضية دون خاسر أو رابح بشهود هيئات اقليمية ودولية وتوقيع اتفاق يلزم الطرفين.