البلاد تشهد حراكاً سياسياً متسارع الإيقاع بحكم تطبيق اتفاقية السلام الشامل، والتي تم تنفيذ استحقاقاتها وتبقى منها القليل المتمثل الآن في استحقاق الاستفتاء، والذي حرص الشريكان على الالتزام بقيامه في مواعيده مع وجود بعض المشاكل العالقة في مسألة ترسيم الحدود وحل قضية أبيي، وكذلك قضية دارفور التي ما زالت تراوح مكانها في مربع التفاوض الماراثوني.. وسط كل هذه النزاعات السياسية الضاغطة على السودان وبداية العملية التسجيلية للاستفتاء، وسط جدل كبير بين الشريكين والاتهامات المتبادلة بشأن ما يحدث من صعوبات وتحركات جعلت من عملية التسجيل معوقة وبطيئة من حيث نسبة الإقبال سواء في الجنوب أو الشمال، حيث بلغت النسبة في الجنوب مليون ونصف ناخب في حين لم تتعد النسبة في الشمال نصف المليون إلا قليلاً ، ووسط اتهامات من المؤتمر الوطني بوجود تهديدات وتخويف للناخبين من قبل الحركة الشعبية وعملية إفراغ للتسجيل ليوم التسجيل لجعل الأمر واقعاً ومفضياً للانفصال شبه الجماعي.. مع توافق كل هذه الأحداث بدأت عمليات العودة الطوعية تسارع الخطى في نقل الجنوبيين في الشمال بمختلف الولايات إلى الجنوب قبل موعد الاستفتاء في إجراء وصفه كثير من المحللين والمراقبين بأنه إجراء تكتيكي لضمان أكبر عدد ممكن من جنوبيي الشمال أثناء فترة التصويت بالجنوب، مع الترغيب والترهيب لضرورة الإشارة إلى ورقة الانفصال وقيام دولة الجنوب!! ü برنامج العودة الطوعية لدينكا نقوك: برنامج العودة الطوعية استهدف (1.5) مليون مواطن في الشمال واختارت حكومة الجنوب شعار (عد إلى بلدك لكي تختار) كدعاية للعودة الطوعية، التي ما زالت تواجه صعوبات ماليه وتجهيزات إيوائية وصحية للعدد الهائل للعائدين. دينكا نقوك.. «مواطنو أبيي».. بدأت رحلة العودة لهم متزامنة مع بداية عملية التسجيل مما أثار العديد من الأسئلة حول التوقيت، البعض من المحللين عزا ذلك إلى خطة الحركة الشعبية في إفراغ العاصمة من الجنوبيين وكذلك الولايات الشمالية وخاصة لدينكا نقوك، حيث تريد الحركة الشعبية فرض الأمر الواقع من حيث تمكين السكان من دينكا نقوك على الأرض وضمان وجودهم بالأغلبية لحسم الأمر سواء بقانون استفتاء أبيى أو بإعلان منطقة أبيى تابعة لحكومة الجنوب عبر برلمانها، كما أعلنت من قبل على لسان بعض قياداتها.. مراكز الترحيل بدأت فعلياً في نقل مواطني أبيى من دينكا نقوك.. ففي الخرطوم بسوق الأحد بالدروشاب شمال، المشهد واضح لتجمهر المواطنين أمام البصات في انتظار الترحيل، حيث أفادنا مندوب الترحيل بأنهم ينفذون برنامج العودة الطوعية الذي توقف بسبب التمويل ويمنحون المواطنين جزءً من المبلغ والباقي عن طريق النفقة الخاصة، وأن هؤلاء المواطنين يتم استقبالهم في أبيى بواسطة المكتب المشترك للشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة وبرنامج الغذاء العالمي، حيث يتم حصرهم وتسجيل أسمائهم على حد قوله!! كما أشار إلى أن عدد العائدين حتى الآن من الخرطوم فاق ال«8000» مواطن بينما بلغ الألف مواطن من ولاية الجزيرة وهنالك أعداد من ولاية النيل الأزرق والشمالية والقضارف... ü المسيرية والدينكا والصراع حول أبيى: رغم قرار المحكمة الدولية في مسألة تحكيم وترسيم حدود أبيى وفقاً لما اتفق عليه الشريكان، إلا أنه على أرض الواقع تم رفض القرار من قبل القيادات الشعبية للمسيرية وأعلنوا عدم قبولهم للقرار بينما رحبت الحركة الشعبية وقبائل دينكا نقوك واستمر الجدل حول المنطقة مما جعل المراقبين يصرحون بأنها قنبلة السودان الموقوتة.. الإدارة الأمريكية قدمت حلولاً عديدة لكن تم رفضها من قبل الحكومة وقبيلة المسيرية التي رأت أنها قدمت الحيوان قبل الإنسان، باعتبار أنها سمحت لهم بالرعي دون الإقامة رغم التاريخ الطويل لوجودهم بالمنطقة واعتبارهم سكاناً بحكم الترحال والتواجد والتاريخ.. دينكا نقوك والمسيرية رغم اجتماعات أديس أبابا الأخيرة لم يصلوا فيها إلى قرار نهائي حتى الآن لتظل القضية عالقة لرسم الأحداث والمستقبل.. ü خطوة استباقية محتملة: وسط كل هذه الأحداث تسربت بعض الأخبار بأن حكومة الجنوب ربما سوف تعلن تبعية منطقة أبيى للجنوب دون انتظار لحل المشكلة أو إجراء الاستفتاء المزمع قيامه بخصوص المنطقة!! ومن شأن هذه الخطوة أو حتى الحديث عنها بأن تزيد التوتر في المنطقة وسط تصريحات مضادة من قبيلة المسيرية بأنها لن تفرط في حقها وأرضها وتاريخها وتظل المشكلة في حالة شد وجذب شديدين مع انتظار لتوافق الشريكين للخروج من فوهة المدافع التي من الممكن ان تنطلق عند عدم الوصول لحل يرضي الجميع بتعايش سلمي وتوافق على حدود ترضي الجميع وصيغة حكم ومخرج لهذه المنطقة المستقلة والمتوترة والقابلة للانفجار إذا ظل الحال كما هو عليه دون حل نهائي!!