من الأمثلة الشائعة في حياة الناس وتجري على ألسنة الكافة «ليس من رأي كمن سمع».. وقد تعلمتُ معنى هذا المثل حقيقة بعد زيارتي لجمهورية الصين الشعبية الأيام الماضية، وأكاد أجزم أن من لم يزر الصين يظل غير خبير بشؤون الحياة الإنسانية وضعيف المعلومات في سبل حياة الشعوب والأمم في فجاج الأرض. الصين آية من آيات الله في أرضه.. تزيد إيمان المرء بقدرة الخالق، الرزاق، الوهاب، المهيمن.. وأشهدكم بأني قد شعرت بذلك في دواخلي وجددت إيماني وتوبتي.. مليار ونصف من البشر يعيشون في رقعة جغرافية واحدة تحت إدارة مركزية حكومية واحدة، تحت إمرة رئيس جمهورية واحد!! يأكلون ويشربون ثم يخرجون الفضلات ويتعاطون الخدمات.. كل الخدمات بانتظام ودقة في المواعيد وهمة في العطاء وإتقان للأداء ووفاء بالعقود مع صدق المشاعر و «بدون قومة نفس»!! سبحان الله الواسع المدبر. تأتي جمهورية الصين ثالث دولة في العالم من حيث المساحة بعد روسيا وكندا «6.9» مليون كلم مربع، تجاورها أربعة عشر دولة.. غير أنها الأولى بلا منازع في عدد السكان في العالم «خمس سكان الدنيا». الصين أكبر منتج للحبوب في العالم «185» مليون طن من الأرز سنوياً و «86» مليون طن من القمح.. ثم هي في نفس الوقت أكبر مستورد للحبوب «200» مليون طن سنوياً لسد حاجة السكان واعتماد مخزون استراتيجي لكافة السكان لمدة عام، فهي كذلك بالطبع أكبر مستهلك للحبوب والغذاء في العالم، وكذلك هي أكبر سوق منتج ومصدر للاحتياجات الإنسانية في العالم. الصين دولة موحدة.. متعددة القوميات «56» قومية متعددة الديانات.. الإسلام، المسيحية، البوذية الخ.. يبلغ عدد المتدينين فيها «100» مائة مليون، يرتادون «100» ألف مكان ودار عبادة. يتراوح عدد المسلمين بالصين بين «20 -30» مليون مسلم يتوزعون على «3» ألف جماعة دينية ويبلغ عدد الدعاة ومشايخ الدين الإسلامي «40» ألفاً.. الشعب الصيني شعب عجيب مدهش.. لا يعرف المستحيل فإن كان حاضره اليوم ماثلاً للعيان فإن حضارته العريقة تحكي عن مدهشات.. معجزات ويكفي أن نستشهد لذلك بسور الصين العظيم الذي بنى على شفا جبال شاهقة وأودية سحيقة قبل «700» عام بطول «5 ألف كلم».. ومشاهدته بتتبع منعرجاته تجعل رأسك يدور ولا تجرؤ رجلاك على الصمود! فكيف بمحاولة الصعود؟ حقاً إنه شعب لا يعرف المستحيل. وكذلك لا يعرف «الذباب» فقد غاب عن أنظارنا حتى عدنا!! يسيطر على حكم هذا الشعب الكبير، الحزب الشيوعي الصيني الذي تكرم بدعوتنا واستضافتنا وإحداث كل هذه الدهشة في أذاهاننا. تأسس الحزب الشيوعي الصيني عام 1929م قبل قيام جمهورية الصين الحديثة التي أسسها الحزب بزعيمه ماو تسي تونغ عام 1949م وهو حزب الطليعة في الصين الشعبية تتصل مؤسساته رأسياً وأفقياً في المجتمع الصيني، قواعده في القرى والأرياف البعيدة ثم المحافظة ثم المدينة صعوداً إلى المقاطعة إلى قمة المركز وله قواعد منذ تأسيسه في مواقع العمل وسرايا الجيش والقوات النظامية. يتكون هيكله التنظيمي من المؤتمر العام الذي ينعقد كل خمس سنوات، تليه اللجنة المركزية التي تنعقد مرة كا عام ويليه المكتب السياسي «اللجنة الدائمة» التي تنبثق عنها الأمانة العامة للجنة المركزية التي تقوم بمهمة تسيير العمل اليومي لكافة مؤسسات الحزب وتشكيلاته التنظيمية.. تبلغ عضوية الحزب المسجلة «78» مليون، تتوزع علي عدد ثلاثة ملايين منظمة وتشكيل. يعتمد الحزب نظام العضوية الصفوية بدقة متناهية ويضع إجراءات طويلة وشروط صارمة قبل خطب وده أو نيل عضويته التي تعتبر تشريفاً تجتهد في الحصول عليه طلائع المثقفين وأصحاب الأعمال. يحتاج التصديق النهائي لطلب عضوية الحزب الشيوعي الصيني لمدة ثلاث سنوات، حيث يتوخى طالب العضوية التقييم الشامل والتنقيح والتمحيص من التنظيمات الحزبية من أدنى مستوياتها إلى أعلى للاطمئنان لقناعة مقدم الطلب وإيمانه بمبادئ الحزب والآداء العملي الجيد وجدية الالتزام، فالحزب حريص على تميز أعضائه وفعالية عضويته وتأهيلها لذلك يعني بالنابهين والبارزين في مواقعهم المهنية أو الاجتماعية والموهوبين في المجالات الفكرية والثقافية. يعتمد الحزب في بنائه الفكري والتنظيمي على عمق الرسالة ورسوخ الآداء الحزبي العملي اليومي ولا يأبه بالعمل الموسمي للانتخابات أو المناسبات السياسية كشأن الأحزاب السياسية عادة ويتجنب الانتهازية الحزبية في توسيع عضوية الحزب إكراهاً أو احتطاباً بليل، ولكنه يحرص على الالتزام الآيدلوجي الطوعي، هذا سر عدم انشغال الحزب الشيوعي الصيني خصوصاً بالتبشير بأفكار الحزب وفتح منافذ الاستقطاب داخل الصين أو خارجها. نواصل