أذكر كما يذكر كثيرون كيف كانت قنواتنا الفضائية في سني الإنقاذ الأولي، وكيف أنها كانت منضبطة، وتحاول قدر الإمكان أن ألا تحيد عن الخط الذي رسمته الدولة، وهو خط الإلتزام والإحترام والإحتشام، وإن نسينا فلن ننسى مناظر الممثلات وهن يرتدين الخمار حتي ولو كان المشهد يمثل لحظات النوم، وكانت المغنيات كأن على رؤوسهن الطير، لا تتجرأ واحدة منهن في إبداء أي حركة، لا يميناً ولا شمالاً، ناهيكم عن هز الوسط والأرداف والأكتاف الذي نشاهده الآن، والحالة تنطبق أيضاً على الفنانين المعروفين بالإستعراض، حيث كانت تتحاشاهم الكاميرات عندما يرقصون.هذا الحال جعل البعض يطلق على القناة الفضائية السودانية اسم القناة الطاهرة، هو اسم كان له وقع طيب في النفوس، ويطرب له كل سوداني، بالأخص إخواننا وأخواتنا في دول المهجر، وكانت القناة الأخرى تسير قدر المستطاع في ركب القناة الرسمية، وإن حادت فهو حياد لا يخل بالسير. أما اليوم (عدا القناة الرسمية)، فطبيعي جداً أن تشاهد خصل الممثلات (التائهة) وتسبيل عيون المذيعات والتنافس في التسريحات وتركيب العدسات الملونة، وظهور المغنيات يتطلب كتابة عبارة (للكبار فقط) على الشاشة، ولا أحسب أنني في حاجة لمزيد من التوضيح ف (الجواب باين من عنوانو). إن ما نخلص له من (نبش الماضي) وإجترار ذكرياته في هذا الواقع الأليم هو البحث عن حد لعلامة إستفهام كبيرة (حائرة)، هل ستواصل قنواتنا الفضائية في نهجها والذي بعضه سافر بعد إعلان الشريعة الإسلامية دستوراً رسمياً للبلاد، وهل سنشاهد بعد ذلك (المغنيين والمغنيات) يجالسون بعضهم البعض دون حواجز أو ضوابط، يغنون باشارات الحواجب والحبر السري، أم سيعود الحال إلى ما كان عليه في السابق و(يطلع كل قرداً جبلو) ويعود الإحترام والإحتشام إلى شاشاتنا . الإجابة المنطقية تقول إن الماضي الجميل سيعود، وتعود معه كل القيم التلفزيونية السمحاء التي إنقرضت في زمان كشف الصدور ونبش المستور، ودخول الكاميرات للبيوت وتصوير مناسبات الناس الخاصة، التي فيها ما يسر وما لا يسر، وزمان طلوع الفتيات للمسارح لتقبيل المغنيين.لن نبكي على زماننا ولن نتباكى على أسوار الماضي، ولكننا نردد مع المغني (يا يوم بكرة ما تسرع)، فعسى ولعل تعود للمجتمع سماحته وعفته الغائبة التي تسببت في غيابها بعض القنوات التي حسبناها (فزعة فوجدناها وجعة)، فما يحدث الآن في الشارع العام، وظهور الكثير من الثقافات الوافدة ما هو إلا نتيجة تقليد قنواتنا لرصيفاتها الأجنبية المعروفة أصلاً أنها ما قامت إلا لتحارب الشباب المسلم في دينه وأخلاقه، فركبت معها قنواتنا الموجة وكفتها (عن جهل) عناء الحرب وحاربتنا هي بالوكالة. الشريعة الإسلامية إخوتي وأخواتي هي العلاج لكل أمراضنا المجتمعية، وهي الأمان والإستقرار لكل أسرة ولكل مجتمع، فهنيئاً لنا بها وهنيئاً لبلادنا بها حكماً، ولا نامت أعين أنصار حزب الشيطان.