جولة: عبد الرحمن جبر -ابتهاج العريفي -دعاء محمد حانت ساعة الانفصال بين شمال وجنوب السودان، فكل المؤشرات والدلائل تقول ذلك، وأجهزة الإعلام تبث مسيرات الفرح وسط الجنوبيين الذين خرجوا في مسيرات هادرة ويرددون ويرفعون شعارات الاستقلال والخلاص من المستعمر الشمالي حسب آرائهم.. ولكن ماذا عن شعب الشمال وما رأيه في هذه التداعيات، وما موقفه من عملية الاستفتاء، وهل يريد السودان دولة واحدة، أم يسعى للانفصال كحال سكان الجنوب، كل هذه كانت أسئلة حائرة استطاعت (آخر لحظة) فك طلاسمها بالتجوال وسط أهل شمال السودان الذين عبروا عن رأيهم بكل صراحة ووضوح، وكشفوا الحقائق التي تدفعهم لذلك، متمنين لو كان لهم حق التصويت.. لأدلوا بأصواتهم للانفصال.. وأثناء جولة «آخر لحظة» وسط المواطنين رصدت سير الحياة في العاصمة الخرطوم بصورة عادية جداً من أسواق ومؤسسات حكومية، بل حتى حركة سير المواصلات منسابة بصورة عادية، ولكن تلاحظ عدم وجود ازدحام في الشوارع بصورة عامة، بل تكاد تكون حركة السير ضعيفة رغم أنه يوم الأحد أول أيام الأسبوع، فربما يرجع ذلك لتوجس البعض من مخاوف لا وجود لها في الواقع، كما لفت اهتمام محرري (آخر لحظة) الإقبال الكبير على شراء الصحف اليومية من قبل المواطنين، بجانب الحرص على متابعة الأخبار مباشرة أول بأول من القنوات الداخلية التي تنقل الحدث بالصورة والصوت.. ومع كل هذه التداعيات غاصت (آخر لحظة) وسط المواطنين الشماليين لمعرفة آرائهم.. ولو أن لهم حق التصويت لأي اتجاه يصوتون، فأجمعوا على أنهم مع الانفصال. - في البداية تحدثت الأستاذة مها خالد وقالت بنبرة حادة جداً أنا مع الانفصال قلباً وقالباً، ولو كنت أمتلك حق التصويت لاخترت الانفصال بدون أي تردد، وذلك لأن الجنوبيين أثبتوا أنهم غير مؤهلين للأخوة الصادقة التي منحناها لهم، فقد قاسمناهم المأكل والمشرب في وقت عانوا منه من شظف العيش بسبب الحرب والظروف الطبيعية، ومنحناهم ملجأ آمناً كأن الذين يحاربوننا وقتلوا أبناءنا ليسوا أخوانهم وأزواجهم وآباءهم وأولادهم وعفونا عن الظلم والحزن والجراحات النازفة، ولكنهم قرروا بعد كل ذلك الانفصال وردوا على المعروف بالفعل المشين ووصفونا للعالم بأننا شعب استغلالي واستنزفنا مواردهم واستعبدناهم، وكل ذلك يرجع لتعاملنا الجيد معهم، فكما قال الشاعر: «إذا أنت أكرمت الكريم ملكته.. وإذا أنت أكرمت اللئيم تمرد». وأشار المواطن حسن سعيد بقوله كنت مستعد للتصويت للانفصال، لأن هذه تعتبر رغبة الجنوبيين أنفسهم كما قال المثل المصري «من حبنا حبيناهو وصار متاعنا متاعه ومن كرهنا كرهناه يحرم علينا اجتماعه». فيما ذكر مدثر محمد صالح قائلاً: بالطبع كنت سوف أصوت لخيار الانفصال نسبة لأنه خيار الجنوبيين، وأضاف ضاحكاً «قدر ما مسكنا فيهم أبونا»، لذلك فليذهبوا دون حسرة عليهم، فهذا هو اختيارهم. وأضافت المواطنة عائشة جعفر- ربة منزل قائلة: سأصوت للانفصال لأنه يعتبر خيار الإخوة الجنوبيين، وهو بمثابة حرية بالنسبة لهم، خاصة وأن الجنوبيين ينتظرون هذا اليوم منذ اتفاقية نيفاشا. وقال المواطن شامي: بما لا يدع مجالاً للشك لو كان لديّ خيار التصويت لصوت للانفصال حتى ننعم بالاستقرار والتنمية، ويصبح الجنوب دولة قائمة بذاتها لا تربطنا بها صلة. وذكر المواطن هارون أنجلو أنه مع الانفصال لأن هذا خيار الجنوبيين ونحن لن نقف ضد رغبتهم. .. وفي جولة موسعة داخل عدد من الجامعات أكد الطلاب الشماليون بصوت واحد أنهم مع الانفصال، ولو كان لهم حق التصويت لما ترددوا في التصويت للانفصال الذي يمثل رغبتنا الحقيقية نحن كشماليين، فالجنوبيون حكومة وشعباً مثيرون للمشاكل والخلافات بصورة مستمرة، ونقول هذا الكلام لمعايشتنا لهم داخل أسوار الجامعة، فالطلاب الجنوبيون رغم أنهم يدرسون في الجامعات السودانية، لهم كل الحقوق التي نتمتع بها نحن، إلا أنهم يرددون عبارات واتهامات جارحة لأهل الشمال بدون أي مبررات أو أسباب منطقية، فالذي أحزننا أن تضع اتفاقية نيفاشا حق التصويت للوحدة والانفصال لشعب الجنوب فقط وتتركنا بين أيديهم باختيارهم العيش معنا أو الانفصال الذي نشجعهم عليه. واختتم الأستاذ أبوبكر ميرغني: نحن كمواطنين شماليين لم نشعر ولو للحظة واحدة بأن الجنوب جزء منا، وذلك لأننا منذ أن عرفناهم عرفنا معهم الحروب والحقد والحسد ولم نهنأ بيوم سعيد معهم، وقتلت فترة الحرب بيننا وبينهم الآلاف من أبنائنا وإخواننا وأصدقائنا، لذلك لا نستطيع أن نتعايش معهم، فهم شعب لا يستطيع أن يعيش في سلام أبداً، وحقيقة شعب السودان لا يرمي باللوم التاريخي في انفصال السودان على أحد، لأنها رغبة كل الشعب السوداني وتأخرات هذه الخطوة كثيراً. قطر عجيب.. أما المواطن موسى علي الخضر محجوب- صاحب مغلق بأم درمان- قال إنه لو كان يملك حق التصويت كمواطن شمالي، لصوت لصالح الانفصال، لأن المواطنين الجنوبيين ظلوا يعانون من استغلال قياداتهم السياسية لهم، وأصبحوا هم وقياداتهم عبئاً ثقيلاً على الشمال منذ الاستقلال وحتى يومنا هذا. وقال المواطن موسى إنه يأمل أن يتم الانفصال، وأن يغادر الجنوبيون الشمال للأبد مغادرة لا عودة بعدها، مستشهداً بالقول الشعبي «قطر عجيب يودي ما يجيب». الخير المنتظر المواطنة زهرة تاج الأصفياء- معلمة بمرحلة الأساس- ولاية الخرطوم- قالت إنها ستصوت للانفصال إذا كان الأمر بيدها، لأن المشاكل والمصائب التي يعيشها السودان كلها بسبب الجنوب، ولأن قضية الجنوب دائماً هي سبب تغيير الحكومات في الشمال وسبب أزمات الحكم وما يليها من أزمات اقتصادية وفقر وتدنٍ في الخدمات العامة، لذلك سيكون الانفصال هو الخير العظيم والكبير الذي تشكر عليه الإنقاذ في سجلات التاريخ.