يوم أمس الثلاثاء الموافق الثامن من شهر مايو من عام ألفين واثني عشر وعند الساعة الحادية عشرة وتسع وخمسين دقيقة وتسع وخمسين ثانية انتهت المهلة الممنوحة للمرة الخامسة للجنوبيين لتوفيق «أوداعهم»... وهذا يعني أنه وفقاً للقانون فإن أي جنوبي أو جنوبية منذ الساعة الثانية عشرة وثانية واحدة ليلاً في ذات اليوم ومع الثواني الأولى ليوم التاسع من مايو قد صار وصارت وصرن وصاروا أجانب... وهناك قانون يحكم علاقة الأجانب بالبلاد... فهم أولاً ليسوا مواطنين ولا يحق لهم أن تتم معاملتهم مثل المواطنين بأي حال من الأحوال ولا يستحقون حقنة دواء... ولا يحق للأجنبي أن يعمل بأجر أو حتى مجاناً أي نوع من الأعمال ولو متبرعاً... ولهذا فنتوقع أن لا نجد جنوبياً «يتحاوم» وهو يبيع الملابس القديمة أو الجزم المستعملة في سوق نيفاشا أو سعد قشرة... ولا نرغب في أن نرى جنوبياً أو جنوبية تبيع القهوة أو تعمل في المنازل أو يعمل في طاحون أو طابونة أو يعمل في شركة أو مؤسسة سواء كان يعمل بواباً أو موظفاً أو خفيرًا أو حتى غسال عربات... والأجانب الجنوبيون سوف تظل تلتصق بهم تهمة أنهم ينتمون إلى خلايا نائمة تحركها الحركة الشعبية... ويترسخ هذا الاعتقاد كل يوم وكل ساعة بفضل «فعايل» و«عمايل» ناس «باقان وعرمان في السودان»... ولن يشفع لأي جنوبي كون أنه ولد في الشمال أو تربى فيه أو درس فيه أو أقام إقامة طويلة متصلة وغير منقطعة. فقد دلت تجاربنا وأثبتت الأيام أن «كل الجنوبيين» أكرر «كل الجنوبيين» قد صوتوا للانفصال بنسبة وصلت إلى«99,9%» تسعة وتسعين وتسعة من عشرة في المائة... وهذه النسبة علق عليها أحد أهلنا الرباطاب الذي قال إن هذه النسبة كانت كافية لكي تدخل الجنوبيين في كلية الطب... وها هي تلك النسبة قد حققت لهم الاستقلال من المندكورو ومن الجلابة كما قال زعيمهم باقان الغبيان وهو يفرح بنتيجة التصويت «باي باي للعبودية» و«باي باي للعروبة» و «باي باي للإسلام» و «باي باي للمندكورو» والمندكورو كلمة توازي معنى الخواجة عند الجنوبيين... فنحن مهما عملنا من خير في الجنوبيين من الحركة الشعبية وأطعمناهم المنَّ والسلوى ومنحناهم كل البركات النازلة من السماء والنابعة من الأرض سيظلون يعضون الأيادي التي تطعمهم وسيظلون يتقيأون في الأواني التي يأكلون منها وسنظل في وجهة نظرهم نحن الاستعمار ونحن الأسياد الذين استعبدوهم... ولن تزول هذه العقدة النفسية التي تأصلت بفضل الخواجات وهم يقومون بتدريس التلاميذ المواد التعليمية ويرسمون لهم رجلاً سودانياً عربياً يلبس العمامة وهو يحمل سوطاً يضرب به مجموعة من الجنوبيين العراة ويسوقهم أمامه وهم مقيدون... ومعظم مثقفي وقادة وحكام الجنوب اليوم قد تشربوا بهذه الثقافة ونزلت في عقلهم الواعي واللا واعي وحفرت في ذاكرتهم بالقدر الذي يصعب محوه إلا بعد مئات السنين... ولأن حكومة الجنوب الآن طردت كل الشماليين وأحرقت متاجرهم وشردت أسرهم واغتصبت أموالهم وربما نساءهم ولم يبقَ في الجنوب من أهل الشمال إلا قلة معدودة على الأصابع وبعضهم ربما فضّل أن يكون عميلاً ذليلا للجنوبيين... لأن ذلك قد حدث فلا بد أن نقابله بفعل مماثل... ونتوقف عن تمديد فترات «توفيك الأدواع» فقد وفقنا بما فيه الكفاية حتى «إنسلت روحنا» وعلينا أن لا ننخدع بأن بعضهم كان يعيش في أوساطنا أو نتعاطف معه فكلهم يمثل مشروعاً للخلايا النائمة المرشحة لأعمال التخريب والدمار بالخرطوم والأقاليم ويكفي ما حدث يوم الإثنين الأسود عند مقتل الهالك قرنق... ولكي لا يعود سيناريو ذلك اليوم فعلى كل شمالي أن لا يقوم بإيواء أي أجنبي جنوبي وأن يبلِّغ عنه السلطات وأن لا يستأجر داراً أو عقاراً لأي جنوبي أجنبي وأن لا يساعده في التخفي والاختفاء وأن لا يساعده في تهريب الغذاء والمال للمحاربين من منسوبي الحركة ويتعلم أن التهريب عقوبته Shoot to Kill... ونقول لأهلنا في وزارة الداخلية والدفاع لقد انتهت «فترة تاع توفيك تاع أوداع» فماذا يفعل المواطن السوداني بعد اليوم إذا وجد جنوبياً يتحاوم بدون أوراق أو بدون توفيك تاع أوداع... والسؤال يحتاج إلى إجابة.