في مقال سابق تناولت مبادرة وزارة الإعلام بالدفع بالصحافة للأمام تأكيداً للمهنية ولدورها البناء في مجتمع ديمقراطي تعددي قائم على المؤسسية وتتداول فيه السلطة سلمياً، بجانب الانتباه للمهددات التاريخية والاجتماعية الخاصة بالسودان، وقد نجحت المبادرة في مقدمة صغيرة.. في تحديد معايير الصحافة الحديثة، ولعل أبرز هذه المعايير الحرية والمصداقية والمهنية والمسؤولية، بجانب الاستقلالية والأخلاق والتخصصية والعدالة، وهذه قطعاً معايير بناءة في مهنة ذات تأثير ونفوذ كبيرين، لعمري أن تحديد هذه المعايير ينم عن مصداقية في اهتمام قيادة وزارة الإعلام بتطور الصحافة السودانية والتي تستحق الوقوف عندها وإعادة قراءة المبادرة على ضوء هذه المعايير. وفي مقالنا السابق تناولنا في تحقيق المهنية ضرورة عودة امتحان القيد الصحفي والسجل إلى وزارة الإعلام ممثلة في المجلس القومي للصحافة والمطبوعات، ونقول للأخوة إن مهنة الصحافة شبيهة بمهنة المحاماة، واتحاد المحامين لا يعد امتحان المعادلة ولا يمسك سجل المحامين، امتحان المعادلة يتم بواسطة لجنة يرأسها وزير العدل وتمثل فيها النقابة والجامعات، فمن حق اتحاد الصحفيين أن يكون عضواً في مجلس الصحافة والمطبوعات وفي لجانه المختلفة، ولكن كنقابة ليس من حقه أن يحدد من ينال شرف التسجيل للمهنة وأن يمسك بملف الامتحان، ولا بأس من عضوية اللجان المختلفة بذلك. لقد وضعت المبادرة ملاحظات حول قضايا الدولة تجاه الصحف من حيث ضعف المؤسسية والمهنية والعدد المتزايد من الصحف وأثر بعض الصحافة في القضايا الاجتماعية لميلها نحو الإثارة، كما تعاني الصحافة من انعدام الرؤية بين الناشرين وقادة العمل الصحفي تجاه تطور وتجديد الأداء الصحفي المهني والمؤسسي وتعزيز دور الصحافة كسلطة رابعة، وفي سبيل معالجة هذه الأدواء اعتمدت المبادرة سياسة قاصدة بذلك تطوير الصحافة لتغدو صناعة متكاملة من خلال إعادة النظر في قانون الصحافة ليضع معايير جديدة وجدية لإصدار التراخيص، وأن تضع الدولة سياسة تشجع الاندماج بين الصحف من خلال شراكات ذكية تدفع بالأداء المهني للصحافة، ولابد من الالتزام بالقانون وإعمال معايير الضبط الإداري والرقابة الداخلية، والحوافز للناشرين في هذا الإطار تكون بإلغاء الرسوم المفروضة على مدخلات صناعة الصحافة أو تقليلها للحد الأدنى، وضرورة إعادة النظر في طريقة التقديرات للضرائب، على أن يذهب هذا كله لمصلحة الناشر والقاريء، لأنه ليس المقصود أن تذهب الإعفاءات لجيوب الناشرين فقط، وأن تتبنى الدولة شركة توزيع قادرة على أن تجعل الصحف في متناول الجميع في كل أنحاء السودان، وأن تشجع المصارف على تسهيل مهمة هذه الشركة. كما ذكرنا في المقال السابق ضرورة تشجيع قيام نوافذ التوزيع بدعم من المحليات، بل ولجان الأحياء.. وفي مجال الإعلانات الصحفية يعاد النظر في أي سياسة احتكارية للإعلان الحكومي، وهذا لا يمنع من ضوابط إدارية لحماية المصالح القومية والداخلية لهذه المؤسسة أو تلك، أما مجال التدريب فهو شرط أساسي لتجديد الترخيص ولا بأس من مساعدة الحكومة في تشجيع التدريب الداخلي من خلال أكاديمية الإعلام. أما مشاكل الصحافيين فهي انعدام التدريب والتأهيل، وعدم دفع الضمان الاجتماعي الخاص بالصحافيين والتأمين على حقوقهم، ولابد من وضع ضوابط ومعايير تجاز من الاتحاد للرواتب والالتزام بها وأن يلعب مجلس الصحافة دوره المهني لوقف التشوهات والانحرافات في تعاون سلس يراعي المعايير التي وردت أعلاه.ونختم وفي تقديري أنه وفي سبيل اندماج الصحف، لابد من سياسات وحوافز من جانب الدولة تؤدي للاندماج مثل التصديق بالمطابع والأراضي والإعفاء الإستشاري من بعض الضرائب وتفادي الرسوم نهائياً ومنح الصحافة المندمجة منافذ توزيع في أماكن مقدرة ودعم نقل الصحف للولايات وتحرير المعلومات وتشجيع الجهات ذات الشأن بتوفير المعلومات الصحفية وإتاحتها للصحف. مستشار رئاسي وخبير قانوني وإعلامي