( إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون) صدق الله العظيم .. لكن الملك الذي زارني في مكتبي لا يشبه الملوك الذين عناهم الكتاب العزيز، فهو ملك «راعي أبقار» ولا يعدو أن يكون زعيم إدارة أهلية.. ولقد أهداني أخي وصديقي عبدالرحمن الأدريسي القيادي بمصرف السلام فرصة العمر.. عندما هاتفني طالباً مني استقبال الأستاذ إبراهيم بوشة أحمد فضل عبدالرحمن الأستاذ بجامعة أفريقيا العالمية والذي قضى الفترة من 4 / 1997م إلى 6 / 2002م في مجال الدعوة الإسلامية في تنزانيا، وسط قبيلة الماساي، والذين لا نعرف عنهم إلا سطراً أو سطرين في منهج الجغرافيا «على أيامنا»، وإنهم يشربون الدم المخلوط باللبن!! لكن ضيفي الملك «محمد أم بركيري» ملك الماساي بتنزانيا، والشيخ إبراهيم كراسي الزعيم الديني للماساي بتنزانيا، يرافقهما الأستاذ إبراهيم بوشه.. وقد اتصلوا بالعديد من الجهات الرسمية والشعبية فوجدوا ترحيباً حاراً.. واستوعبت بعض الجامعات عندنا أعداداً مقدرة من أبناء قبيلة الماساي في شكل مِنَح.. وهم لا يطلبون لأنفسهم شيئاً، لكنهم يوجهون الأنظار إلى قضيتهم وقبيلتهم التي ظلت مجهولة لدى الكثيرين.. وإن كانت هناك جهات عربية وإسلامية قد أفردت لهم اهتماماً خاصاً ظلّ دون المطلوب بكثير.. الملك أم بركيري والزعيم كراسي في زيّهم التقليدي «رداء وإزار» ومن معهما كانوا من البساطة في مكان.. وشرحوا لي قضيتهم في أبسط الكلمات وأهداني الأستاذ بوشه كتيباً أصدره بعنوان «الماساي المكونات الثقافية لقبيلة الماساي في تنزانيا»، تكفل بطباعته المركز العالمي للدراسات الأفريقية في أكتوبر 2008م، وهو أي الكتاب يسلط الضوء على هذه القبيلة التي تعبد إلهاً واحداً وتلتزم بالوصايا العشر وتعتقد أن نبيهم هو سيدنا موسى عليه السلام. الماساي كلمة تتكون من مقطعين «ماس ساي» ما «Maa» معناها «لا» ساي «Sai Sai» معناها «يُسبِّح» الإله - إله موسى عليه السلام، ويقال إنهم جاءوا من طور سيناء وهم يقولون في دعائهم اللهم بارك لنا كما باركت في سيناء «NKI PASINAI».. هم قبيلة رعوية تتوزع بين تنزانيا وكينيا ويوغندا، وتمتد أراضيهم في مناطق السافنا الفقيرة في مساحة 700 كلم من الشمال إلى الجنوب وحوالي «200 كلم» من الشرق للغرب، وتنقسم قبيلة الماساي إلى ثلاث بطون وهي قريش «Quraish» وهم الزعامة والإمامة.. وسيريا «SYRIA» سوريا وفيهم البأس والذكاء وقيادة القتال.. ولقمان «LUGMAN» وهم الأكثر عدداً، وهم يؤرخون بالشهور القمرية.. ويعتقدون أن الأبقار خُلقت لهم دون سائر البشر لأن إله موسى قد خلقها لهم فقط»، ولهذا فهم يرون أن سرقة الأبقار عمل مشروع، لأنهم حسب اعتقادهم يجب عليهم إعادة أبقار العالم إلى حظيرة الماساي» وهم يؤذنون عند الشروع في سرقة الأبقار «الله أكبر NKAIKITOK» كما يفعلون في صلواتهم ودعائهم.. وللحفاظ علي الماساي بأزيائهم وعاداتهم نسجت حولهم الكثير من الأساطير بأنهم من أكلة لحوم البشر، وهذا إفك مبين يخدم السياحة بالإثارة والغرائب. مع أنهم قبيلة تؤمن بإله واحد لا شريك له.. ولا يعبدون الأوثان ولا غير ذلك من عادات الشرك والوثنية... وأركان الإيمان ستة عند الماساي وهي: الإيمان بالله الإله الواحد الذي لا شريك له ولا مثيل له وأنه لم يلد ولم يولد، وهذه ترجمة حرفية لشهادتهم والإيمان بالملائكة «MALAIKANI» والإيمان بالرسل والإيمان بالكتب السماويةKITABU والإيمان باليوم الآخرKIAMA والإيمان بالقدر خيره «ASHE NALENG»، وهم لا ينسبون الشر إلى الله تعالى تأدباً، والعبارة تعني «الشكر الكثير» لله.. ومن شعائر الماساي التعبدية التوحيد والصلاة، وهي عندهم الدعاء ثلاث مرات، وأوقاتها العصر والمغرب والفجر، وكذا في الملمات يدعون من مكان مرتفع يقولون الله أكبر.. الله أكبر.. الذي هو في السماء إلهي الأكبر.. يا إلهي ساعدنا.. بقدرتك ساعدنا نحن.. بقدرتك التي لا ترام.. إلهي ابعث صوتي بين الجبلين عساك تسمعني.. أنت خلقتني.. لا أساوي شيئاً أمامك.. لقد قلَّت حيلتي وبلغ هواني أمداً بعيداً.. أسألك قوة أقهر بها أعدائي.. لا قوة لي إلا ما تمنحني فامنحني القوة لأفعل «كذا ويسمي حاجته». والماساي يخرجون الزكاة «تسع وأربعون بقرة»، ويصومون وتراً سبعة أيام أو سبعة عشر يوماً أو واحداً وعشرين، ولا يكملون عدة الشهر ثلاثين يوماً.. ويحجون بعد الصوم ويسمى الحج الأصغر عمرة والحج الأكبر وله أمير، وحجهم عند «جبل الكبار» قرب كلمنجاور وينحرون بعد الحج ويحلقون رؤسهم والحج عندهم في العمر«مرة» ويمكن تكراره، ويكون من أول ذي الحجة إلى منتصفه ويعتقدون أنه شهر تضاعف فيه الحسنات وتمحي السيئات. والماساي لا يبدأون عملاً من الأعمال المهمة كالزواج أو الختان أو غيره، إلا بعدما يقولون اللهم أجعل لنا نوراً وحظاً من أجلك وجنبنا الفواحش وارزقنا أبقاراً وارزقنا أولاداً وأنزل علنيا مطراً وأصلح بين متخاصمينا وارزقنا ذرية صالحة.. واعتصموا بحبل الله الذي يحيط بالعالم.. ويقولون في أمثالهم اعبد الله أحداً لا شريك له ولا تعبد إلهين أو ثلاثة فتهلك، وتخلق بأخلاق رجل يدعو الله أحداً.. اعبد الله أحداً لا تخشى سواه اتبع قول من يخشى الله.. ويودعونك بقولهمTenejoNKai ومعناها في «أمان الله».. ويتزوج الماساي بأربعة ولا يصافح الرجال النساء ويحرمون لحم الخنزير، والقصاص من القاتل أو دفع الدية أو العفو.. وتجنب النساء في الحيض، وعدم شرب الخمر لمن هو دون الأربعين وتحريم الزنا ومعاقبة المخالف بالجلد أو الغرامة المالية أو العقوبتين معاً.. أنهم مسلمون بلا إسلام.. إذ لا ينطقون الشهادتين ولا يحتاجون إلا لمن يرشدهم للطريق القويم.. وهم من الصدق والأمانة والوفاء بمكان.. ولئن يهدي الله بك رجلاً خير وأحب لك من حُمر النعم. دعونا نعمل للدعوة من الجنوب إلى الشمال فمركز الجذب إلى الشمال.. وهذا هو المفروض