احترام الوقت وتوزيعه على الأعمال والمواضيع حسب أهميتها هو مصدر نجاح كل الشعوب، وهذه القاعدة صارت مثالاً يضرب في التقدم والازدهار، وهذه الثقافة لم نستوعب طريقة التعامل بها حتى الآن وفي جميع قطاعاتنا، فإننا قد نصرف وقتاً طويلاً في أشياء قد تكون فرعية من أصول مثبتة في نصوص واتفاقيات دستورية.. والجدل المثير حول الانتخابات قد استغرق وقتاً طويلاً في جزئيات تمثلت في التمثيل النسبي وعدد الدوائر الجغرافية وتوزيعها الجغرافي، مع العلم مسبقاً لمثيري الجدل بأن قيام الانتخابات أمر حتمي بنص اتفاقية ودستور قومي وفي قترة زمنية محددة، والانتخابات القادمة سوف تجري في وقت شهدت فيه البلاد العديد من المتغيرات من حيث درجة القومية والفاصل الزمني بينها وبين آخر عملية انتخابية تعددية حزبية أجريت في البلاد.. وهذه جميعها أشياء كان على الأحزاب صرف الوقت في الاهتمام بها أكثر من اهتمامهم بالقانون المنظم لها.. إن أحزابهم مقبلة على خوض غمار تجربة انتخابية متفردة في كل شيء.. فالقانون فيه مواد وفقرات ثابتة يتم تطبيقها في بيئة متحركة ونشطة في ظل رقابة دولية وإقليمية، لذلك كان الأولى صرف هذا الوقت في ما يخدم الوطن والمواطن ويقوي أحزابهم على خوض هذا المحك الحقيقي، فالقانون فيه الشيء المحسوس والمعنوي الملموس والمادي فهلا أعدت هذه الأحزاب بيئاتها الانتخابية الملموسة جيداً حتى تنصرف للجدل حول ما هو محسوس..؟ نتمنى ألاّ يكون البعض من هؤلاء قد بنوا خططهم على ما مضى من نتائج، لأن نتائج الأمس لا تصلح مقياساً تبنى عليه خطط اليوم لخوض الانتخابات القادمة، وعلى الكل أن يعلم هذه الحقيقة، وذلك لجملة المتغيرات التي طرأت على الخارطة السياسية على المستويين التنظيمي والجماهيري، والتي ترتب عليها الحديث عن العملية الانتخابية، وفوق كل هذا نعتقد أن الجدل حول القانون في ما يخص التمثيل النسبي والتوزيع الجغرافي للدوائر الانتخابية والتأجيل والتأخير والإلغاء، حديث سابق لأوانه بعض الشيء، وذلك لأنه سبقته عملية (التعداد السكاني) التي سوف يبنى على ما تسفر عنه من نتائج العديد من الخطوات، كتحديد العملية الانتخابية وخارطة المشاريع التنموية بما فيها (الانتخابات)، كما أننا نحسب أن السبب الرئيسي وراء هذا الجدل المفتعل حول قيام الانتخابات، هو ظهور معادلات جديدة في السا حة الانتخابية استعصى على البعض فهمها والتعامل معها، فلجأوا لافتعال الخلاف حول الزمن المحدد للانتخابات، ولكننا نقول لهؤلاء ضرورة الإعداد للبرامج الانتخابية حسب ما يكفله القانون، لأن الفرص في الانتخابات القادمة متساوية وإمكانية الفوز فيها متاحة للجميع، وأن ما يسمى قديماً بمركز الثقل الحزبي والدوائر المغلقة لم يعد مقياساً للاعتماد عليه في بناء الخطط الانتخابية، وهذا ما لمسه السياسيون بأنفسهم خلال الزيارات التي قاموا بها لتلك المناطق، كما أن كتاب الساحة الانتخابية المفتوح وتكافؤ الفرص فيه للكل قد أثار مخاوف البعض، فلا بد للأحزاب المتنافسة أن تعبئ جماهيرها لخوض المعركة الانتخابية القادمة حسب ما يضمنه القانون، الذي هو بمثابة موجه لمسار الانتخابات من الناحية السياسية والقانونية والأدبية والسلوكية، والعنصر المحرك للانتخابات القادمة هو القاعدة الجماهيرية وإن الاهتمام بقضاياها الأساسية هو معيار المفاضلة بين المتنافسين، ولم يعد هناك مجال لتفكر في المغامرة على المجهول، لذلك فإن الفترة منذ الآن وحتى موعد قيام الانتخابات تعد فترة عمل وفق برنامج زمني مدروس وممرحل ومعد المداخل لكل فئة من فئات تلك القاعدة، لأن التعامل مع هذه القاعدة ككتلة واحدة قد يترك أثراً مهماً لفئة تعد كادراً مؤهلاً، يمكنها أن تلعب أدواراً تؤثر على الفئات الأخرى إذا ما أحست التعامل معها من قبل القيادات الحزبية في كل المستويات، لاستقطاب الفئات الأخرى من القاعدة الانتخابية لأحزاب تنافسية، لذا نعتقد أن فترة الانتخابات سوف تشهد تنافساً شرساً يظهر فيه أثر هذه الفئة المبكر للإعداد والتعبئة الجماهيرية، وهذه الفترة تعد فترة أولويات يجب أن ترتب ترتيباً دقيقاً وفقاً لرؤية كل حزب وخطته الانتخابية وقاعدته الجماهيرية.