الساحة السياسية تشهد الآن جدلاً مثيراً حول الانتخابات، فهنالك تغيير في المواقف، وتلوين في الحقائق.. وحتى الآن رجل الشارع في حيرة من أمره حول تقلبات الآراء في أوساط أحزاب المعارضة، فكان هناك الجدل حول القانون، والتعداد السكاني، وعدد الدوائر الجغرافية، وتوزيعها، بالإضافة إلى اتهام حزب المؤتمر الوطني الحاكم بأنه سوف يستغل إمكانات الدولة ووسائل إعلامها في الدعاية لمرشحيه، مع حرمان الأحزاب الأخرى من حقهم الأصيل في استخدام الوسائل الإعلامية لدعايتهم الانتخابية.. تأتي الانتخابات هذه المرة في وقت تشهد فيه البلاد العديد من المتغيرات من حيث درجة الوعي الجماهيري، والفاصل الزمني بين الانتخابات القادمة، وآخر انتخابات أجريت في البلاد في عهد الأحزاب. ولإسكات الأصوات النشاز، الذين يضللون الرأي العام، بحدوث التزوير وعدم النزاهة، قبل قيام الانتخابات، ولكن الانتخابات ستجري تحت رقابة صارمة، داخلية وإقليمية ودولية، وإن جملة المتغيرات التي طرأت على الخارطة السياسية على المستويين التنطيمي والجماهيري، كانت وراء الجدل المثار حول العملية الانتخابية، ونعتقد أن الجدل المثار والاتجاه إلى الانسحاب والتحالف الهشّ، مؤشر لعدم جدية أحزاب المعارضة، وفقدان الثقة في نفسها، وتخوفها من نتائج الانتخابات، بالرغم من تقديم مرشحيها على كل المستويات.. (فالتأجيل والتأخير والإلغاء) مرفوض فقد سبق ذلك عملية (التعداد السكاني) لتحديد خريطة الانتخابات لمعرفة التركيبة السكانية لكل الولايات، وتحديد نسبة الفئة المستهدفة للاقتراع، ونحسب أن العملية الانتخابات على مستوى الرئاسة والولاية والمجلس التشريعي، وتنافس الأحزاب عليها هو السبب الرئيسي وراء هذا الجدل المفتعل، لكن الحقيقة تقول: إن السبب أيضاً ظهور مرتبات جديدة في الساحة الانتخابية، استعصى على البعض فهمها، والتعامل معها، فلجأت أحزاب المعارضة إلى افتعال الزوبعة القائمة بسبب ضعف بنية وهيكلة الأحزاب المتنافسة. بعض الأحزاب المنافسة حتى الآن لم ترسم برنامجها الانتخابي لتقديمه للجماهير، فالصورة تغيرت، والانتخابات القادمة تتسم بالوضوح التام، وإن فرص الفوز فيها متاح للجميع، أما إمكانية الفوز في مراكز الثقل الحزبي، والدوائر المغلقة، التي تغيرت حسب المستجدات التي طرأت خلال عقدين من الزمان، فمن الصعوبة التكهن بنتائجها، فالتصويت بمفهوم الانقياد الأعمى رهن الإشارة، لم يعد مقياساً للاعتماد عليه في الفوز بالانتخابات، كما كان سابقاً، ولعل الساسة وعوا الدرس من خلال الزيارات التي قاموا بها لمناطق نفوذهم القديمة، وأدركوا مخاوف المفاهيم القديمة.. الانتخابات هذه المرة أصبحت مثل عملية القلب المفتوح. الآن لا بد للأحزاب المتنافسة أن تعبئ جماهيرها لخوض المعركة القادمة، حسب ما ينص عليه القانون الانتخابي، الذي هو بمثابة موجه لمسار العملية الانتخابية، بكل ما تحمل من المفاهيم السياسية والقانونية والأدبية والسلوكية.. والعنصر الأساسي ونقطة الارتكاز القاعدة الجماهيرية، وإن الاهتمام بقضايا الجماهير هو المحرك للانتخابات بين المتنافسين، ولم يعد هناك مستع من الوقت للتأجيل أو الإلغاء، وحتى قيام المغامرة على المجهول، فإن الفترة المتبقية يجب أن تسخر لتعبئة الجماهير وفق برنامج زمني مدروس، وممرحل، ومعدّ لكل المستويات الانتخابية، ولا بدّ لرموز الأحزاب جميعها خلق اتصال مباشر مع القواعد الجماهيرية، الأمر الذي يترك أثراً طيباً في نفوس الناخبين، ويمكنها من أن تلعب دوراً أساسياً للإقبال على صناديق الاقتراع، أما إذا شعرت الجماهير بغياب الاتصال من قبل القيادات الحزبية، وبالفعل هذا الغياب استغرق فترة ليست بالقصيرة لبعض الأحزاب، فالأمر يحتاج إلى بذل مجهودات مكثفة لاستقطاب جماهيرها، أو الاستقطاب من الفئات الحزبية الأخرى في كل المستويات، وصعوبة الأمر هذه المرة أن الانتخابات تشهد تنافساً شرساً بين حزب المؤتمر الوطني وأحزاب ذاقت طعم الحكم، وظلت بعيدة عنه، الفترة المتبقية يجب أن تسخر لتعبئة الجماهير؛ لتنشط من جديد، ويظهر فيها أثر الحماس، وقوة الدفع إلى الانتخابات، فالمفترض أن يكون لكل حزب خطته، وقائمة أولوياته، مرتبة ترتيباً دقيقاً، وفقاً لرؤية تتطابق مع واقع الحال، تماشياً مع تطلعات قاعدته الجماهيرية.