أخي مؤمن نواصل اليوم أيضاً مرافعتنا عن أبنائنا الشعراء من السفراء ولقد ضربنا مثلاً فيما أسلفنا، بالراحل المحجوب، وزير الخارجية، بافتتانه بالشعر وانبهاره بالروعة والجمال الذي تبدى له في جبال «الهملايا» وبالثلوج التي تكلل هامها وانشغاله بذلك وهو في عمل رسمي خطير. وما أشبه الليلة بالبارحة إذ نضرب اليوم مثلاً آخر كما يضرب الله- سبحانه وتعالى- الأمثال للناس للتدليل ودفع حججنا إلى الأمام في حق هؤلاء الشعراء السفراء «لاحظ أنني أقدم تفضيلاً «الشعر» على «السفارة». فالشعر «فن» والسفارة «وظيفة» والبون بينهما شاسع و«عظيم». فالشعر كما قال الشاعر الراحل أبو آمنة حامد: الشعر فن الخالدين ü إذا تباهى واقتدر نضرب اليوم مثلاً بوزير خارجية آخر لنا سار على ذات الدرب بنثر كالشعر. وهو أيضاً قانوني ضليع، ودبلوماسي قدير، وكاتب مُبدع لا يشق له غبار وهو الأخ العلامة الدكتور/ منصور خالد. كتب في سفره القيم «السودان والنفق المظلم» وتحت عنوان «الحريم الطائر» واصفاً فاتنات غانيات حوريات أخريات كن قد جئن إلى الخرطوم إبان الحقبة «المايوية» قائلاً: «كن كتلك الكوكبة من فاتنات الروم اللائي أبدع طه حسين في وصفهن حين قال «كن فاترات اللحظ ساحرات العيون، وكن واضحات الجباه قاتمات الشعور، وكن مشرقات الوجوه، باسمات الثغور، وكن أسيلات الخدود، جميلات القدود، نحيلات الخصور».. أ.ه. فسحر الجمال خلاب، فالدكتور طه حسين كما أوردنا وهو أعمى وكفيف البصر هام أيضاً بحسه وشفافيته بالجمال كما هام شاعر آخر كفيف البصر أيضاً بذلك. وهو الشاعر «بشار بن بُرد» الذي ردّ على غرمائه ومنتقديه عن قولهم بأنه أعمى وكيف له أن يتغنى بالجمال وهو لم يره فقال: يا قوم «أذني» لبعض الحي عاشقة و«الأذن» تعشق قبل «العين» أحياناً فالشعراء، يا أخي مؤمن، يجرون دائماً وراء الجمال ويلهثون خلفه في كل مكان وكل واد بل يطرقون له حتى أبواب السماء كما قال صديقي و «دفعتي» الشاعر «إبراهيم أحمد شيله»: حطمت قيدي وانتزعت وشاحي حر أنا وطليقة أفراحي أنا للجمال طرقت أبواب السماء وسحائب البيداء عبر الساح أبكي وأضحك ثم أضحك باكياً فأعجب لباك ضاحك صدّاح وفوق ذلك فنحن، يا أخي مؤمن، أمة شاعرة قد حباها الله بتذوق هذا الضرب من الفن الرفيع. وقد شهد لنا بذلك- ممن شهدوا في العالم- شاعر مبدع ورقيق وهو الراحل «نزار قباني» حين كتب قائلاً: «مفاجأة المفاجآت لي كانت الإنسان السوداني.. الإنسان السوداني حالة فريدة لا تتكرر، ظاهرة غير طبيعية، خارقة من الخوارق التي تحدث كل عشرة آلاف سنة مرة. كل إنسان عرفته في السودان كان شاعراً أو راوية شعر. ففي السودان إما أن تكون شاعراً أو تكون عاطلاً عن العمل. فالشعر في السودان هو «جواز السفر» الذي يسمح لك بدخول المجتمع ويمنحك الجنسية السودانية». أ. ه.. ثم، يا أخي مؤمن، إن الله، سبحانه وتعالى، قد أبان لنا في محكم تنزيله حال الشعراء- أي شعراء- حين قال جل شأنه، «والشعراء يتّبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون» صدق الله العظيم- الآيات من 224 إلى 226- الشعراء. إذن، يا أخي مؤمن، مرة أخرى فما ذنب هؤلاء الشعراء السفراء من أبنائنا إن كان ذلك «الرمز» الجمالي الذي نحن بصدده قد جاءهم يسعى ويمشي على قدميه في قعر دارهم بوزارة الخارجية. شكراً لكم، أخي مؤمن، على سعة ورحابة صدركم وساحتكم العامرة «شمس المشارق». هاشم مكاوي الرياض- الخرطوم