رضينا أم أبينا فإن نظام الحكم القائم الآن في السودان هو مرحلة متقدمة من نظام حكم الإنقاذ، الذي جاء شمولياً قابضاً، فأخذ يوسِّع من هامش الحريات شيئاً فشيئاً.. ويؤسس لهياكل السلطات التشريعية والتنفيذية ويطبق نظام الحكم الفيدرالي للإبتعاد عن مركزية السلطة والقرار في الشأن الولائي والخاص بمناطق لها خصوصيتها في أولويات الحكم وطبيعة تركيبتها السكانية والأعراف التي تحكم تلك المناطق. مشكلة المعارضة السودانية أنها ظلت تقف عند خط واحد لم تتقدم فيه قيد أنملة.. أصبح بالنسبة لها مثل خط النار الذي لا تستطيع تجاوزه إلا وهي تمسك بوسائل إطفاء لا تملكها.. لذلك ظلت المعارضة (مسكينة) صوتها أكبر بكثير من عضلاتها إذا ما جاءت ساعة الجد والمنازلة. وتمددت الحكومة لتملأ كل فراغ تركته الأحزاب المعارضة بين الناس، وقدمت (البرامج) بالأقوال بينما قدمت (التنفيذ) بالأفعال.. وكثير من أحزاب المعارضة يتفيأ ظلال الآخرين ينتظر الحسنة والإحسان ليواجَه فيما بعد إذا ما تغيّر النظام بمطالبة تعقبها مطالبة لسداد الفواتير. وبعض التمرد وحمل السلاح لم يكن صناعة سودانية خالصة، إذ تدخل صناع عالميون وآخرون إقليميون وبعض دول الجوار- ذات القدرة على الأذى- وبعضها كان يناقض ما ينادي به من شعارات عندما يدعم حركة انفصالية وهو ينادي بوحدة شاملة من المحيط إلى الخليج، ثم يعلن لاحقاً اعترافه بدولة لم تولد بعد وكانت وقتها في رحم الغيب.. وتقدم الدعم وحقائب المال و(تموّن وتشوّن) وتبعث بالسلاح والمركبات وتقوم بتدريب الأفراد والجماعات المتمردة. ومشكلة المعارضة تتمثل في الحكومة، ليس لأنها لم تخصص لها مقاعد للمشاركة في الحكم، ولا لأنها أبعدتها عن مراكز اتخاذ القرار، بل لأنها لا تؤدي الدور المطلوب من المعارضة عندما كانت في السلطة.. ولأنها تتعامل مع شعبها بشفافية مفتقدة لدى الآخرين.. ويتحدث قادتها بالواضح وب(صريح العبارة) يشركون المواطن معهم في الهم والغم.. وفي السراء والضراء. نقدم نصيحة غالية لبعض أحزاب المعارضة الحالمة بكراسي الحكم دون انتخابات، ونقول لها إذا أردت زعزعة المقاعد تحت الحاكمين، عليك بالبحث عن فضيحة سياسية ترعب السلطة الحاكمة كلها، فضيحة من شاكلة (البلاغ الكاذب) للشرطي الدولي بأن في السودان مصانع لإنتاج الأسلحة الكيماوية.. أو من شاكلة (شهادة الزور) التي قدمتها المعارضة ومن يخدمونها بأن السلطة نصبت المشانق وأعدت المذابح والمحارق وأتت على كل أخضر ويابس في دارفور بأمر الرئيس.. مثلما فعلت المعارضة فانكشفت الخدعة وانفضح الأمر.. وخسرت.. أبحثوا للحكومة عن قضية كبرى تهز ثقة الناس فيها حتى تسقط.. ونقول لأصحاب العباءات المذهبة والياقات المنشاة الذين يجلسون على (كنب) المعارضة.. أريحونا أراحكم الله فقد سئمنا الكلام الممجوج الدائري المكرر.. سئمنا (النقة) الفارغة.