الضربات تتلاحق على إسرائيل ومن يقف وراءها من دول كبرى، ويبدو أن عام 2011م هو بداية الثورة على الطغيان الإسرائيلي الدولي، وتنتشر هذه الثورة إقليمياً في المغرب والمشرق العربيين، وتمتد حتى الجوار الإسرائيلي، وإليكم هذه الضربات الأربع: أولاً: العقلانية السياسية والالتزام بالدستور والقانون الذَيْن واجهت بهما الحكومة السودانية حدث الاستفتاء على مصير جنوب السودان، وهو موقف يمثل قمة الاستحقاقات الديمقراطية.. فهي قد أتبعت قولها بالعمل على احترام إرادة شعب جنوب السودان مهما كانت، فتذهب إلى الاعتراف بفصل الجنوب وبحكومته الجديدة، بل وستكون في صدارة المعترفين بها، مع التزامها بإقامة أكثر العلاقات حميمية في العالم بين دولتين جارتين، وهي تدخل في حوار مع الحركة الشعبية نحو التعاقد على اتفاقية للأمن والتعاون بين البلدين، بما يحيل الانفصال إلى انفصال سياسي مع تكامل اقتصادي وأمني، وذلك مما أكسبها احترام العالم. هذه العقلانية السياسية التي تقدم السلام على الوحدة، هي التي فوتت الفرصة على القوى التي راهنت على عودة الحرب، وأشرس مما كانت من قبل، بين الشمال والجنوب لدى الاستفتاء على تقرير المصير، مما يدخل السودان في فوضى لاقرار لها تتيح التدخل العسكري الخارجي الواسع وهو أفضل الأجواء لتقسيم السودان إلى دويلات مستتبعة ذات عدد. وهو بلا ريب كان سيخدم الأهداف الإسرائيلية بامتياز، وبخاصة في دولة كالسودان بموقعها العربي الإستراتيجي. والحفاظ على الأمن الداخلي بين الشمال و الجنوب، طيلة فترة الاستفتاء، كان مسؤولية الحكومة، وقد أدته بكفاءة عالية وكذلك ستؤديه في الفترة الانتقالية حتى قيام دولة الجنوبالجديدة، واستحقاقاتها من علاقات حميمة مع الدولة السودانية الأم.. كانت هذه الضربة الأولى للأهداف الإسرائيلية. ثانياً: أما الضربة الثانية، والقاسية، فكانت الثورة الشعبية بتونس على نظام «بن علي» الاستبدادي الذي كان يمثل أحد أكبر حصون المنطقة في محاربة «الإرهاب» بالمفهوم الغربي. يكفي للدلالة على أن الثورة الشعبية بتونس كانت ضربة قاسية لإسرائيل ما صرح به نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن التغيير في تونس سيفتح الباب لعودة الإسلاميين للسلطة.. يعني بالإسلاميين حركة النهضة بزعامة الشيخ راشد الغنوشي، التي وقع على قياداتها وقواعدها أشد القمع السياسي من نظام «بن علي».. ويعني بعودتهم للسلطة من خلال الانتخابات القادمة التي وعدت بها. ثالثاً: والضربة الثالثة هي التغيير الديمقراطي الجاري في لبنان بسقوط حكومة «سعد الحريري» باستقالة المعارضة منها، والعودة إلى الاستشارات بين الكتل البرلمانية والتي أسفرت عن اختيار «نجيب الميقاتي»، حيث أعلن رئيس الجمهورية تكليفه بتشكيل الحكومة. وذلك يُعد نصراً كبيراً لحزب الله، حيث أعلنت إسرائيل أنها ستكون جارة لحكومة إيرانية وليست لبنانية!! وذلك لتحريك شارع قوى14 آذار ضدها. رابعاً: أما الضربة الرابعة على إسرائيل، وهي الأخيرة وليست الآخرة، فهي تسريبات قناة الجزيرة الوثائق السرية حول المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، وما كشفته من تنازلات قدمها المفاوض الفلسيطيني مما يحسب على أنه تفريط في الحقوق الفلسطينية الثابتة، وهي فيما يبدو وتسريبات لغير مصلحة إسرائيل.. كما يبدو أن بداية هذا العام تشهد امتداداً لظاهرة التسريبات السرية على غرار ما انتهى به العام المنصرم فيما يعرف بتسريبات «وكليكس» وجميعها تسير لغير مصلحة إسرائيل. وهبوب الرياح على غير ما تشتهي سفن إسرائيل قد بدأ منذ العدوان الإسرائيلي على غزة، وما تداعى إليه من تحقيق دولي، ويتبعه عدوانها على «أسطول الحرية» لكسر الحصار مما أدى إلى توتر علاقاتها مع تركيا الصديق السابق وعضو الحلف الأطلنطي، وذلك مع وصول مفاوضات الملف النووي الإيراني، الخطر الأكبر على إسرائيل إلى طريق مسدود. يبدو أن صوت الحق الذي يدين إسرائيل صار له دوي يعلو شيئاً فشيئاً، وربما غيَّر هذا الصوت في يوم قريب الوقوف الأعمى لأروبا وأمريكا وراء إسرائيل والذي يصادم الحقوق الدولية الإنسانية بشدة.. كما يبدو أن مقولة «الظلم هو القاعدة» أخذت تتحرك نحو المقولة الأصيلة «العدل هو القاعدة والظلم هو الاستثناء» وهو الأمل المنتظر ليملأ عدلاً كما مُلئت جوراً.. والله المستعان.