كثيرون مثلي كانوا ينتظرون تلك الليلة التي شدا فيها أبوعركي ود البخيت الطيب ود بت المنى بت جاد الرب بعد غياب تام قرابة العشرين عاماً، وقد أجمع الكل أنها كانت بألف ليلة من عمر الوطن الذي غنى له أبوعركي كما غنى للحبيبة وللشعب. ولأن أبوعركي أحب الحرية وكره القيود التي انتهجتها النخب الحاكمة أسلوباً وحياة فقد حاول التمرد بأسلوبه الخاص وبطرق مختلفة من خلال أغانيه وأشعاره التي وجدت الاستحسان من غالبية الشعب وقوبلت بالرفض من الأنظمة الحاكمة التي ترغب دائماً في أن يكون الفنانين أو الشعراء «وصّافين» لمحاسنه وليس العكس، عندها أعلن ابوعركي «تمرده» وكان مختلفاً فقد آثر الغياب ومقاطعة كافة الأجهزة الإعلامية والتزام الصمت ليعلن «بصمته الصارخ» رفضه لكل أنواع التسلط والظلم.. لكن ماذا كانت النتيجة؟ إنه حكم على ملايين المحبين بالحرمان.. الحرمان من الدهشة والفرح الخرافي ومتعة اكتشاف الأزهار البرية.. ونعمة التحليق في الأفق الواسع.. ومغادرة الجدران والقضبان الحديدية.. والتحليق وسط الريح مع النوارس، ترى ما الذي جناه أبوعركي على محبيه؟ وهل بعودته يعود البحر الى مجراه وتنتفض الاسماك من غيبوبتها الطويلة وإدمانها الكسل والخمول؟ هل تعود تلك الأشياء بعد أن تغيرنا وتخلت عنا الشمس وغدر بنا الفرح وهزمتنا الأسواق «ليت أبوعركي يخبرنا»، وأخيراً نقول للأستاذ إن ذاك الزمن الذي عاشه قبل «رحلة الصمت» هو زمن حقيقي، وإن أولئك الذين أحبهم هنا في «الوطن» هم أناس حقيقيون، لكنهم تغيروا كما تغيرت أنت بعد أن طال انتظارهم لك وهم يقفون في المطارات الداكنة والرمادية وفي الليالي المثقلة بالأحزان والبرد.. فهنا في «وطني» الأيام كلها متشابهة وقد تعب الجميع «مثلي» من الترحال بين الليل والانتظار وبين الأسى والانكسار ووحدة الوطن «بصمتك» كانت مختلفة. إيمان عبد الباقي