مدخل: (أم درمان.. بت المهدي وترباية الخليفة عبد الله.. وبصفتها تلك تعزي وفي حرارة أسرة الموءودة عوضية عجبنا.. وبصفتها تلك تستدعي بعض عبير الزمن الجميل). * أم درمان: عُشاق وعشاق الحديث عن (أم درمان) والكتابة فيها وعنها أمر بلا حدود فأم درمان في مكانها.. وأزمنتها وشخوصها تشكل (أردت أو لم ترد) وجدانك وعقلك: أحبها كثيرون، بعضهم أعلن عن ذلك (في وقاحة مهذبة) وبعضهم استكان لعنفوان داخله وآخرون امتدت أم درمان فيهم مئذنة وكنيسة (ورق).. و(عود).. وكلمات تدغدغ (الجوف) وهؤلاء كثر والحديث عن أم درمان يحلو كثيرا مع الصديق الدكتور عبد الله حمدنا الله فعلى رغم قول اعتراه عنها في معرض بداياته فهو من أكثر مصادر تاريخها علما (ما ظهر منها وما بطن) وله في هذه الاخيرة باع لمن أمن (صمته) وله في أجمل غنائها رصيد، تحكمه الحجة والدليل وهو بعد من ابناء (البشاقرة) ولهم في أم درمان أساس من العشاق أيضاً محمد عثمان من المغتربين في (السعودية) قرأت له عن ام درمان العجيب فقد كان (عجينها) و(خميرة) حيشانها، هذا الولد (طش) من أزقة ام درمان التي منحته بطاقة عشقها، هذا الولد الرائع تبتلعه أودية الغربة في غير حب، ما لهذا الاغتراب يتوشى وجدانه، من عشاق العشاق (شوقي بدري) وهو من (نبلاء صعاليكها) (اذا صح التعبير) فقد افشى (ربما بإذن غير معلن منها) كل اسرارها، ولم يترك فرضا ناقصا! (أم درمان) في دمه قضية بلا نهاية فهي في جليد السويد (مأواه) وهو بعد قاضٍ نزيه لا يترك للوقائع، مجالاً للتزوير.. هل تقرأ ما وراء سطوره او سطوره ذاتها فيما اورد عن (مستورها) ولعل المزيد يطفئ غليلا ابتداءً (من بسيس بايرة).. وانت نازل وطالع سيان ربما سكسكة الافندية.. وتبقى ام درمان.. قدر الحرف والقول.. ويتسع قلبها وعقلها كذلك لغير المنتمين «THE OUT SIDERS» .. كما يتسع لواجهاتها ووجهاتها وبعد فهذه دوزنة ام درمانية خاصة لبدري شوقي ومحمد عثمان وعبد الله حمدنا الله وغيرهم وهي بعد لروح الصديق العزيز ود المك (علي) فارس حلبتها، وأمير عشاقها تغشاه شآبيب الرحمة. (2) * أم درمان: حين دقوا (اللول) لقمير أم درمان في ثلاثينيات القرن العشرين تمد للناس فيها أكفاً حفية تمثل (خريفا) رائعا، ترتع في فضاءاته الخضراء (أجمل البنات) و(أنبل الرجال) وهم وهن في كساء من ندى الشوق، النيل يرش (سهلات) أم درمان رذاذا في ربوع (أبي روف) وبيت المال والدباغة، والخضير، ويمتد (الندى الرقراق) الى حواف ود نوباوي والقلعة والبيان ومكي وود أرو وفريق العصاصير.. وربما الى غرب السوق عند سوق الحدادين وجامع البرير.. في تلك الحيشان عن اجمل البنات ينحنين في رشاقة الظباء (لنظافة) سهلة النسوان.. وكل الزوايا، ولم يكن يمددن (عينا) وان (رمق) في خفر وحياء ولربما ارخين سمعا في صبر عجيب.. وانتباه حذر.. فثمة من (أسر) في فرح بان البنية بقت ساوية.. ودايرها فلان.. ودايره فلان وهي في تكأة (ضحاها) وفي لونها القمحي النضير وفي شلوخها المرسومة.. تمايز بين من سوف يأتي، احياء أم درمان في ذلك الزمان كانت حبلى بالغناء. * غصون الروض الأمالك دُقوا ليه (اللول).. كان يقلب ردفاً.. من طبايعه كسول.. السلام لي حيدك فضول.. ويا قمير الدور اطلعي جاهل صغير مغرور * لم يكن ليل ام درمان بعيدا.. عن حيشانها فالقمر شاهد يدخل بلا استئذان حتى على (استار) النوافذ.. المترعة بآهات الانتظار.. ولربما ندت عن النيل (دهشة).. حين يصافح صدى صوت رخيم، على ايقاع (دلوكة).. في أغنية حماس.. تتابعها عيون (الصيد) الجريئة الخجلى.. ولينزل بعض انبل الرجال للبطان.. تأمر به «الدلوكة» الحارة.. أهي كذلك! ام هي سيوف الغيد القواطع. * للحروف عند نطقها في حيشان ام درمان.. دلالات ودلالات.. تلوك احداهن الحرف حتى لا يكاد يخرج الا برقا خلباً، وتمرقه الاخرى ضنينا بالترتيب.. فيتمطى غموضا يزيد في سحار الناس وتبدو الحروف عند اخريات مبهمة.. تندغم الراء فيها.. او تغدو السين خاء.. وبين التعبيرين يبدو الحاجب قوسا غدارا كما تنصب العيون فخا بريئا هو سكين تغور في الضمير، ليكون خلف الكي.. الله.. فقد كانت «الجنة» بت النور، طوربيدا عنيفا.. يهز كيان (ود السرة).. فيطلق صراخه المكتوم: ديني أنا.. ويظل يتابع سيرتها عند مجالس أمه ويواصل اشواق السمع والنظر.. وهي ترفل في حلة جمالها.. عندما يتداعى جسدها البض في انحناءة (الشبال).. * لم يستمر (الأمر طويلا) فالعيون في الحي تتابع والآذان تسمع واهل (الحي) من أولاد وبنات الحلال يستعجلون (الزوج).. - بت النور.. مالا بتاً زينة.. ومستورة، وحاشاها اللوم.. - ود السرة ولداً شاطر.. ما داير اكتر منها. كان العرس محل الحديث لزمان طويل (فالحي) قد تميز بشيء من خصوصية (الطبقة الوسطى) لن ينسى الناس كيف كانت (الكفاية).. وكيفن (ناس الشرق)لما عرضوا.. واتباطنوا مع ناس (القراصة).. وكيف ان (الصياع قد تجلوا).. فيما أثرى الصندل والعود.. وشذى الحنة.. ساحة (الرقص) فكان (البوخ حارا) في يومها داك.. رفعت (بت الحسين) (مقنعها).. وتراخت يديها.. وانثنى جسدها.. وتدلت مسيرتاها.. اكان بوح (سرور) حاراً فيما ذكرت والدتي.. * الجرحو نوسر بي غور في الضمير فوق جرحي خلف الكي.. يا ناس الله لي .. وغنى يومها (سرور) (وشال) الصياع، كما لم يشيلوا من قبل!. - أجلي النظر يا صاحي.. وكانت (العروس).. هي ضابط النيشان.. وما ادراك ما هو!! - تهدج (الرق)، في يد (سرور)، كان ينحني (في احترام) لبنات أم در - سألهن، كما لهج (الخليل) الليلة كيف امسيتو يا ملوك أم درمان حينها، تقدمت في تحد وجسارة (محاسن) حين بدأت (الرمية) كانت اقدامها الحافية.. تلامس (السباتة) وكان (الزمام) في أنفها قمراً مكتملاً، يعكس موجات مسيرتها.. التي تنكسر عليه.. كأمواج متلاطمة، امتدت (الرشمة) عبر خدها في دلال مثير، لتصافح، (مشاطاً) استثنائياً (نسجته)، في كمال أنامل، (الحاجة بخيتة شاذلي).. * (كان العرس) مهرجانا، جاء (جماعة العبادي)، واستضاف (عتيق)، بعض أهل (الموردة) ذابت كل أسباب ودرجات التوتر المعروف.. ونادى (ابو صلاح) شواديه وناظر القمر في ليلته تلك.. بنات حي البيان ممن اسهمن في كفاية العرس.. كان بالعرس بعض (بنات الخوجلاب) و(ابكدوك) و(توتي) و(الخليلة) و(الكباشي) ولهن في أقدار الرجال نظر ثاقب. (3) أم درمان: هل تقبل الشتيمة!! عبر الزمان وعلى استقرار المكان، حاول (شتام نحوي) من اولاد (النية) قرب الجيلي، ان يسيء لأم درمان، ما عرف لأم درمان قدرها، استحكمت في (حروفه) حرفة (أوروبا) فقاضت (نبذاً) أساء (لرق) كرومة و(لكريزة) سرور.. وللهاث (العبادي) حين شرب من أكف الحسان في بوادي وربوع (كندة)، هذا ولد (القلعة) ويرفضه حي (الاستبالية). * حين حكى (عثمان) لوالدته (بت النور)، أمر الشاعر (الواثق) نصبت حاجبيها، في زعل امتلأت حنقا طيبا وثورة وادعة، ورددت (في بهجة أم درمانية صارمة): - أجي يا ولدي اريته حال السواد شن (عرفوا بيها). * أورد (الواثق) وهو (شاعر شاعر): لا حبذا انت يام درمان من بلد امطرتني نكدا لا جادك المطر من صحن مسجدها حتى مشارفها حط الخمول بها واستحكم الضجر ولا احب بلادا لا ظلال لها يظلها النيم والهجليج والعشر (مونيك، كانت لنا (أم درمان) مقبرة فيها قبرت شبابي كالألى غبروا اثم اصطحبت (كميتا) استلذ بها وحلت من سكرتي (أم درمان) تحتقر * استغرق عثمان شعر الواثق واستغرقت (بت النور) بدورها في (سباتة) عرسها، وكيف كن، أجمل البنات.. يرتعن، في اقدام وجسارة امام (حدباي)، وهو يشدو: خدام جمالن يا نديم وبعض صغار (الصباع يرنو اما (عثمان) فتراجع الى السؤال: - هذا (الواثق) يا عتيق، ويا عبادي، ويا أبو صلاح ويا عمرابي ويا سيد عبد العزيز ويا عبيد عبد الرحمن.. ويا أولاد البنا.. من الشعراء والغاوين، وهذا (الفتى الشاعر)، يا اجمل الامهات وانبل الخالات والعمات.. ويا بنات ملوك النيل، وتقول سيرته.. انه من مواليد (النيَّة)، احدى رموز دار الجميعاب، وفارسها الزبير (باشا)، مغوار.. وراجل.. وكريم اخو اخوان واخوات وله في شعر الكرامة مقام.. وهو مثل ذلك (بوصلة) جمال.. محسوب.. هذا الولد ويعشق ام درمان.. بمفهوم المخالقة. ان زانها أدب او لونها الذهب.. ما نفع مظهرها لو جسمها خشب هذه نساؤك يا أم درمان.. رضعن من (عار) ثدييك من كل ناعسة غيداء آنسة اصابتها مسحة فالخد يلتهب وصدرها هودج حنيا ترجرجه ودونها ماتيا حوله القرب شفت يا ابو صلاح شفت يا عتيق شفت يا سيد شفت يا عبيد شفت يا عمرابي شفت يا العمري شفتي يا بدور القلعة شفتي يا آسيا شفت يا بت النور.. ست السباتة الحارة * التفتت الحاجة بت النور الى ولدها عثمان في غضبة قائلة: - هي بس عليه.. هو قدره.. ومن بعيد.. البعيد.. كانت تترى في سمعها عزة الخليل يتخللها مزيج غريب من الهواكم بقى لي جريمة واقبلوني بعد العذر!!. * أم درمان: نفرة الغزلان، حيرة الفرسان وهيبة المنصور ارتاحت (بت النور) وهي تخلد الى (تابلوه) من (تابلوهات) عرسها، البهيج: نقر كرومة (رقه) في اعتداد، كانت اصابعه تلتمس في اقتدار مساحات (الرق) الدائرية، تمايح وجدا، سكر نفسا، استكان عقلا، وارتاع شعورا، كان نداء، رطبا، من جنان الرضوان. تذرف عيوني بحور أقضي الليالي قيام ما بين شوق وهيام وارعى النجوم في سحور وفؤادي آه منحور.. مقتول بغير سلاح واقول بكل صراح يُسبي العيون الحور فيك الكمال محصور اتكظمت كل حسود.. وحسنك مقامه يسود على كل جيل في عصور وطرفك لحاظه تريع اسداً شجاع وهصور ليك تفرق الغزلان مع جيرة الفرسان وفي هيبة المنصور