تقول الأساطير القديمة إن النيل يطلب في كل عام عدة قرابين ليقوى على المسير، فتختار القرى والحواضر (عروس أو عريس للنيل)، فيلقوه في داخله ليأمنوا سطوته وجبروته.. حتى لا يفيض بالشر ويهلك الزرع والنسل.. (وأسطورة القرابين هي أقرب للحقيقة منها إلى الخيال.. فهو لن يتوقف عن ابتلاع الأحلام بين أمواجه الزاخرة المتعطشة لدماء الشباب، ففي كل يوم يطالعنا خبر عن ضحاياه..! والنيل كغيره من إبداعات الله يحوي سر الحياة.. والموت.. الخير والشر.. العطاء والمنع!!.(بانة أحمد بركات) الصغيرة ذات العامين اختفت قبل ثلاثة أشهر داخل النيل.. الذي استعصم بالصمت ورفض (أن يبوح بسر الربيع).. وعبر مسيره على مدى القرون جلس الرقيب فني بالقوات النظامية (إبراهيم عيسى الأمين) على ضفته ليتوضأ فاختاره قرباناً في جوفه.. ولاذ مرة أخرى بصمته.. ولم يكتف بذلك بل عاد الجبار مرة أخرى واختار الشاب سليل الصوفية (محمد الفاتح) الذي لم يبق من ذكراه سوى ملابسه الواجمة على الشط.! وفي ضفة أخرى اختار عروس الجديد الثورة (إيمان عثمان).. وأربعون يوماً تمر دون أن تنحسر الآمال والتنبوءات بأن يعيد الينا الأجساد دون أرواحها.. لكنه (أبى).. لأننا نفتقر لابسط المقومات التي تمنح إنسان السودان آدميته حياً أو ميتاً..!. حدثني أهل الطفلة (بانة) عن معاناتهم مع اتحاد الغطس على الرغم من استعداد الغطاسين للبحث، مع عدم وجود الآليات المعينة(كزجاجات الأكسجين.. النظارات- وخلافه)، عجباً ياسادة هل تصدقون أننا لا نملك أبسط الوسائل (البدائية المساعدة للبحث عن الأعزاء الذين اختفوا داخل المياه الزرقاء.. تصوروا أن يقنع أصحاب الوجيعة بحتمية الموت.. وتصبح أقصى الآمال هي الحصول على الجثمان لاكرامه ودفنه!. زاوية أخيرة: إن في كل الدول العربية المجاورة مركب ملحق بجهاز يسمى (Solarsidescam) لا تتجاوز تكلفته ثمن عربة برادو يكشف عن مكان الجثث بسهولة- فمتى نكرم إنسان السودان حياً أو ميتاً، فالنيل لن يتوقف ففي كل يوم يضرب (بعود ودف)، ليأخذ في أحضانه مزيداً من القرابين.