عمرو بن العاص: أثارت قصة عمرو بن العاص اسطورة عروس النيل، وقد أفتى عمر بن الخطاب في هذا فرفض أن تقدم ذبيحة بشرية، وبسبب ما في هذه الاسطورة من حبكة قصصية صدق البعض هذه الاسطورة، وتقول دائرة المعارف الإسلامية إنه من الممكن تتبع القصة خلال العهد المسيحي اليوناني الى عهود قديمة جداً، وأنه بعد إبطال عمرو لهذه العادة، ظل المصريون يلقون في النيل دمية تمثل عروساً في عيد الصليب،... ويحتاج الأمر الى دراسة متأنية، لأن عيد الصليب يقع بعد زيادة الماء بشهور، ولأن بعيد عيد الصليب لا يمكن أن ترتفع الماء بعده الى مستوى الفيضان، ونحن نسأل لماذا لا يكون ما يقدم هو مجرد دمية وتمثل عروساً، كنوع من حب النيل، ومن فرحة النيل بعروس تزف اليه، لأن هذه الأسطورة تعكس بعداً نفسياً عميقاً، وتدل على أن النيل قد ترك بصمات قدسيته واضحة في النفوس، فهو المرهوب والمرغوب ذو البطش والسلام، فأضحت القلوب تلتمس عنده الطمأنينة والأمن، وتسعى النفوس الى التقرب اليه، وتجود اليه بالقرابين من الحسان الفاتنات، وفاء وفداء له. أمير الشعراء: كان أحمد شوقي يحب النيل، وكانت إقامته في (هاني) على النيل، وقد كتب قصيدة طويلة عصماء جميلة عن نهر النيل، بدأها بالسؤال عن أي عهد في القرى تتدفق، وبأي كف في المدائن تغدق، ومن السماء نزلت أم فجرت من.. علياء الجنان جداولا تترقرق.. وتنتهي القصيدة بقوله: لي فيك مدح ليس فيه تكلف... أملاه حباً ليس فيه تملق فاحفظ ودائعك التي استودعتها أنت الوفي إذا أؤتمنت الأصدق للأرض يوم والسماء قيامة وقيامة الوادي غداة تحلق وشوقي أمير الشعراء، والشاعر أمير الخيال الخصب، وقد كتب شوقي عن عروس النيل وكأنها حقيقة واقعة... ولقد تمنت نعمات أحمد فؤاد لو أنه قدم لأبياته الرائعة ببيت يذكر فيه أنه سيتحدث عن أسطورة، لازداد الشعر روعة ولما أخذ على شوقي خطأه في تاريخ مصر القديمة ونحن نجد العذر لشوقي، لأنه في شعره كثيراً ما يتوخى الغموض، ويترك للقارئ حق تقرير المصير وفهم الحقائق بنفسه.. عروس النيل: لقد قدم شوقي صورة شعرية تنبض بالحياة، لقد أصاب سهماً زالجا في الخيال، وجاءت صورته الشعرية تنبض بالحياة والحركة، يمتزج منها الخيال مع الواقع امتزاجاً يلهب الشعور الإنساني.. ويبهره هذا الموقف الرهيب الذي اختارته عروس النيل لنفسها، حتى أنها تندفع الى مياه النيل حسناء تغوص في لجهة مياهه، وقد خلعت عليه حياءها وحياتها قرباناً له وفداء لبني قومها.. ويقول شوقي: ونجيبة بين الطفولة والصبا عذراء تُشربها القلوب وتعلق كان الزفاف اليك غاية حظها والحظ إن بلغ النهاية موبق في كل عام درة تلقى اليك بلا ثمن اليك وحدة لا تصدق زفت الى ملك الملوك يحثها دين ويدفعها هوى وتشوق في مهرجان هزت الدنيا به أعطافها واختال فيه المشرق ولا مانع في- رأيي- أن يكون شوقي من الذين يعتقدون أن النيل كان يستقبل عروساً حية في كل عام.... غير أن كثيرين يرفضون أن يكون الفراعنة يقدمون ذبيحة بشرية للنيل، وهم لم يعرفوا حتى الذبائح الحيوانية، كان دينهم أن تبقى الأجساد حتى يوم القيامة عندما تأتي الروح وتلبس الجسد ولهذا حافظوا على البشر بعد موتهم من خلال التحنيط، والذي كان يحدث على مستوى الملوك، ويحدث أيضاً على مستوى الشعب بتكاليف تناسب الامكانيات، وكانت توضع مع جسد الميت أواني الطعام، وحبوب بذور، حتى عندما يحيى الجسد بعد استقبال الروح يمارس حياته العادية، وقد ذهب البعض ليؤكد أن قصة عروس النيل هي مجرد اسطورة حيث يرى الأستاذ بوبر أنه كان يقام أمام سد خليج القاهرة عمود أو تل صغير من التراب، والغرض من هذا العمود الذي كان يطلقون عليه اسم العروسه، والذي كان يكتسحه تيار النيل قبل قضاء السد باسبوعين معرفة قوة التيار، وكان العامة تعتقد أنهم رمز لعروس النيل التي كان المصريون يلقونها في النيل من قبل، ويقول البعض حتى لو كانت هذه العادة موجودة عند المصريين القدامى، فإنها لا يمكن أن تكون موجودة بعد المسيحية والتي تحرم الذبائح البشرية، والمسيحية تقدم ذبيحة غير دموية من خبز وخمر، وفي قصص البطاركة أنه عندما لا يفي النيل بالماء المطلوب يخرج البابا إلى شاطئ النيل، ويصلي قداساً إلهياً، ثم يلقى في النيل ماء الصلاة مع قربانة من خبز الحمل، وكثيراً ما كان النيل يفيض مباشرة، ويسرع الجميع لرفع المذبح المقدس وما عليه من أواني العبادة، لكي لا تغرق في النيل... لقد احترم أهل مصر النيل، ولكن هذا الاحترام لم يتحول اطلاقاً الى عادة لا يقرها العقل ولا القلب.