عندما أقدم الاسترالي الامبراطور روبورت ميردوخ على شراء صحيفة التايمز اللندنية فى أوائل الثمانينيات الماضية وجدت خطوته هذه معارضة من المجتمع البريطاني للمكانة التى تمثلها هذه الصحيفة فى الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية وخشية أن ينحرف بها ميردوخ من صحيفة للصفوة الى صحيفة صفراء كما تذخر امبراطوريته الصحفية بهذا النوع من الصحف ولأن التايمز تعد من أكثر الصحف فى العالم رصانة واحتراماً لما تتمتع به من خدمة صحفية لاتحيد فيها عن تقاليد مهنية تراكمت لمئات السنين فجعلتها فى مقدمة الصحف التى يحترمها الكافة فى أوروبا وبقية أنحاء العالم . ولأو ل مرة فى تاريخ مجلس العموم البريطاني تناقش فيه صفقة لبيع صحيفة ولأنها ليست ككل الصحف اشترط على ميردوخ ألا يحدث تغيرات جوهرية فى سياسة الصحيفة التحريرية وألا يخفض القوى العاملة فى الصحيفة بتشريدها خاصة وقد عرف عن ميردوخ أنه يشترى المؤسسات الإعلامية المتعثرة ويعمل على إقالة هذه العثرة بتخفيض العمالة والتحلل من القيود التي تعيق انتشارها حتى ولو تصادمت مع المعايير الأخلاقية ويقال أن ميردوخ وافق على هذه الشروط لتتم الصفقة لينقلب من بعد ذلك على الإتفاق بتخفيض المحررين والفنيين والعمال إلا أن السياسة التحريرية للصحيفة لم تطالها تغيرات جوهرية . يتدوال الوسط الإعلامي السوداني هذه الأيام الكثير من المعلومات حول صفقات لشراء صحف عريقة وكذلك محطات تلفزيونية ويرد اسم أو اسمين فقط من رجال الأعمال وراء كل صفقة من هذه الصفقات والأمل أن تكون المؤسسات الإعلامية من المؤسسات التى يتنافس عليها رجال الأعمال والبنوك والشركات إذ غاب هذا النشاط عن أولويات الاستثمار فيه من قبل أهل المال ومعظم الذين دخلوه هم من أهل الحرفة أو الملتصقين بهم وبامكانات متواضعة ورؤس أموال ضعيفة والمؤسسات الإعلامية الناجحة فى العالم الأن هى تلك المرتبطة بنشاط اقتصادي كبير ومعظم المؤسسات الإعلامية الضخمة ذات صلة باستثمارات مالية قوية فميردوخ الذى ذكرنا تدخل امبراطوريته نيوزكوبوريشن سنوياً اكثر من 15 مليار دولار أمريكي وتايم ورنر والتى من أشهر مؤسساتها مجلة التايم وال CNN يتجاوز دخلها 25 مليار دولار أمريكي الأفضل للمؤسسات الإعلامية السودانية أن تنضم لمنظومة اقتصادية ذات امكانات مالية قوية بدلاً عن التعثر المستمر والقعود عن أداء وظيفتها الإعلامية بالحرية المطلوبة والمهنية التى ترتقى بها أما وإن كان أسباب شراء هذه المؤسسات لتدجينها لصالح جماعات مصالح خاصة و تغيير سياستها التى وجدت قبولاً عند قطاعات كبيرة من المتلقين وعدم الاهتمام بحل مشاكلها بعد اتمام صفقات الشراء فنرجو أن يحافظ المجتمع السوداني على مؤسساته الإعلامية التاريخية ولايفرط فيها بخروجها من السوق وموتها أو إحداث تغييرات جوهرية فيها تبعدها عن عراقتها ورصانتها وتقاليدها ونعنى هنا مؤسسات صحفية حافظت على صدورها لعدد من العقود ولكنها تتعثر الأن ولا نعنى تلك القنوات الفضائية التى قامت بلا تحسب لسوق الفضائيات وتمويلها واقتصادياتها فعرضها مؤسسوها قبل أن يسمع بها معظم المشاهدين للبيع أو استجداء الدعم الرسمي .