طالعت بالأمس إعلاناً صادراً عن المفوضية القومية للانتخابات يحمل عنوان ( تعميم حول مراقبة الانتخابات)، وللحقيقة أعجبتني صياغة الإعلان والقدر الكيبر من (الشفافية) التي ينطوي عليها، وهي الشفافية التي يؤكدها شعار المفوضية الذي لابد أنه قام على تصميمه فنان قدير، فوضع صندوقاً في وسطه وأحاطه بخط على شكل (معين)، ينتهي في الأعلى بيد تحمل بطاقة اقتراع تسقطها في ذلك الصندوق، وأحاط ذلك (المعين) بأربع كلمات موزعة على الخطوط المستقيمة لنصفه الأسفل تقول (نحو انتخابات حرة ونزيهة). يقول الإعلان المكون من ثلاث فقرات، ووقعَّه رئيس المفوضية شخصياً مولانا أبيل ألير أولاً: إن مراقبة الانتخابات القومية حدث مهم في البلاد، ونصت اتفاقية السلام الشامل الموقعة في (9 يناير 2009م) - وهذا خطأ يستحق التصحيح فالتاريخ هو 2005-، الدستور القومي المؤقت (القومية لعام 2008م، على مراقبة مجمل العملية الانتخابية من قبل مؤسسات محلية إقليمية ودولية وأشخاص، ثانياً: (ولذلك) يتعين على المراقبين أن يحصلوا أ/ على بطاقات الاعتماد من مسؤولي الانتخابات بدون إبطاء. ب/ يتمتعوا بحرية الانتقال من دائرة جغرافية لأخرى ومن ولاية لأخرى، ولا يكون المراقب بحاجة أثناء التنقل الحر لإخطار المفوضية القومية للانتخابات أو اللجنة العليا للانتخابات بتنقلاته .. ومع أن مثل هذه المعلومات سوف تلقى القبول من المفوضية القومية للانتخابات، إلا أنها ليست شرطاً لمثل هذه التنقلات، ولا تحد من حرية تنقل المراقبين أي قيود أو شروط. ثالثاً: ( وأخيراً) تغطي عملية المراقبة مجمل سير العملية الانتخابية بدءاً من تسجيل الناخبين، وحتى مرحلة الاقتراع، فرز وعد الأصوات وإعلان نتائج الانتخابات. قطعاً لا تثريب على مفوضية الانتخابات التي (تحاول) أن تؤدي واجبها وتنجز مسؤولياتها الفنية باصدار مثل ذلك الإعلان (الشفاف)، وتبرئ ذمتها أمام السودانيين وخلق الله أجمعين، تماماً كما فعل ذلك المؤذن الذي (ربما) صعد إلى أحد المباني الشاهقة في جزيرة مالطا في وقت ما من العصور الغابرة وأطلق أذانه مع مطلع الفجر، فخرج أهل مالطا مستغربين ومتسائلين عن ذلك الرجل الذي يصيح بأعلى صوته في مثل هذا الوقت الباكر، لأنهم لم يعتادوا سماع الأذان ولا يفهمون كلماته لأنهم ببساطة غير مسلمين، ذلك المؤذن لم يرتكب خطأ بحكم ما تعوده هو، وما يعلمه من الدين بالضرورة من واجب الأذان للصلاة، وربما قدر أكثر من ذلك وأهم بأن يجعل كلمة الله هي العليا ويصدع بالأذان، كما فعل بلال بن رباح - رضى الله عنه- لأول عهد أهل مكة بالإسلام. والناظر إلى الأحوال التي صدر فيها إعلان المفوضية العليا للانتخابات، قد يصيبه ويلحق به شئ من ذلك الاستغراب الذي لحق بأهل مالطا عند سماعهم الأذان المفاجئ لأول مرة، فإعلان المفوضية يصدر في وقت بلغت فيه الأزمة بين الشريكين الحلقوم، وانسحب نواب الحركة الشعبية والأحزاب المعارضة من البرلمان احتجاجاً على محاولة المجلس الوطني تمرير مشروع قانون الأمن القومي والمخابرات بالصيغة التي يراها المؤتمر الوطني، والتي ترى فيها الحركة والمعارضون الآخرون هزيمة لمبدأ (نزاهة وحرية) الانتخابات وخرقاً للدستور، بالإضافة إلى احتجاج الحركة على مشروع قانون الاستفتاء، وعلى عدم تعديل حزمة القوانين المقيدة للحريات، وعلى استئثار المؤتمر الوطني بأجهزة الإعلام القومي. وكل ذلك كما ترى الحركة وترى أحزاب المعارضة التي حضرت (مؤتمر جوبا) يجعل من قيام انتخابات حرة ونزيهة أمراً مستحيلاً، ولذلك وضعت سقفاً وجدولاً زمنياً لانجاز هذه المطلوبات الضرورية، ينتهي بنهاية شهر نوفمبر الحالي، وإلا فإنها ستضطر لمقاطعة الانتخابات بحسب إعلان ذلك المؤتمر. فإذا كانت الأحزاب التي يرجى أن تكون الحاضر والمكون الرئيسي في (عرس) العملية الانتخابية، لا تعرف حتى الآن ما إذا كانت ستسمح لها الظروف- القوانين والإجراءات المطلوبة- بالمشاركة في تلك الانتخابات أم لا، فإن ذلك الإعلان الذي يسمح بحرية حركة(مثالية) للمراقبين المحليين والإقليميين والدوليين، حتى من دون إذن المفوضية، يصبح في بعض ملامحه شيئاً قريباً من فعل صديقنا المؤذن الذي هب مع مطلع ذلك الفجر صادحاً بالأذان في مالطا.