اطلعتُ على خبر مطلع هذا الأسبوع احتفظت لنفسي بحق التعليق عليه، وتقول تفاصيله: إن رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون اعترف بأن مكتبه «دواننغ ستريت» ملئ بالقمل في أعقاب عودة أطفاله من المدرسة مع قمل الرأس.. وقال الصحافيون إنه قال لهم: في حال عانت فروات رؤوسهم من الحكة فإن السبب يعود لابنته نانسي وابنه آرثر.. وقال إنه قال لابنائه «إذا وجدتم القمل في رؤوسكم بعد العودة إلى المنزل، فأنا اعتذر وأريد منكم إعلامي بذلك حتى أرسل لكم مشطاً وبعض المراهم».. وقد زُيِّل الخبر بتنويه إلى أن النبأ جاء بعد أسبوع من استدعاء خبراء مكافحة الآفات إلى دواننغ ستريت للتخلص من الفئران..إذن يبدو أنه لا مستحيل تحت الشمس.. فلم أكن أتوقع أن أسمع هذا الخبر، لا في بريطانيا ولا في أروبا بأكملها، ناهيك عن «دواننغ ستريت» أو عند أولاد رئيس الوزراء البريطاني.. بالمناسبة استغرابي لم يأت من فراغ فالقمل لا يدخل إلا في «الشعور» غير النظيفة أو بالعدوى، والشعوب النظيفة لا يظن أحد حتى الأطباء أن يكون عندهم.. أما سبب استغرابي الثاني هو أننا في المدرسة درسنا عن القمل، وكنا نتساءل عن وجود الحشرات في جسم الإنسان، فالموضوع لمن لم يره يحمل بعض الغموض، فالحشرة صغيرة جداً والإنسان يحس بدبيب النملة في جسده الكبير، فكيف يمكن لحشرة أن تعيش في رأسه أو في ملابسه دون أن يشعر.. وقد قال لنا أهلنا «الكبار» خاصة الذين عاصروا عهد الاستعمار، فقد كانوا يحكون لنا كيف كان الإنجليز يعلمونهم محاربة القمل خاصة وأن تلك الفترة كانت مليئة بالفقر والجهل وضعف الخدمات.. وأظن أن وجود القمل في دولة كانت تحاربه في مستعمراتها أمر لا يستوعب، بل أن وجوده في دولة كنا نعتقد أنها دولة عظمى ولا يمكن أن تكون «متسخة» لدرجة «يقدل» فيها القمل ليصل لمنزل وأولاد رئيس وزرائها أمر له ما بعده. وحقيقي أن هذا الغرب ظل يدهشنا ويهزم معتقداتنا ويدمرها، مثال لذلك «أحداث سبتمبر» التي حدثت في أمريكا، فقد كنا نعتقد أن الحصن الأمريكي منيع ولا يمكن اختراقه، لكن الاستهداف وصل إلى البنتاغون وملاحقة طائرة بوش في الهواء.. وها هي بريطانيا تهزم معتقدنا بأنها دولة نظيفة للحد البعيد وتاريخها وحاضرها يقولان ذلك، لكن القمل قام بما لم تقم به الدول التي استهدفتها بريطانيا.. فالتحية للقمل الذي كشف زيف نظافة تلك البلاد.