هناك في مكان ما داخل أي إنسان يوجد جزء خفي لا يعرف مكمنه ولا أصله... شكله.. أو ماهيته.. يعمل كمؤشر صادق لمعرفة الطوية طبيعة النفس ومدى شفافية الروح.. شيء.. اسمه الضمير.!. ينهى ويأمر.. يقدم.. ويحجم.. يتألم ويستكين.. والضمائر أنواع.. منفصلة.. لا تعرف المحاسبة أو الشعور بالذئب.. أو متصلة بالروح.. تخاف.. تشفق .. تتألم.. ضمائر متكلمة.. وغائبة، فالأولى تتحدث وتفصح عن أصل صاحبها.. والأخرى غيبها الران والغفلة.. ضمائر مبنية للمجهول... وأخرى للمعلوم.. ضمائر حية.. تشعر بالألم بقدر الذنب.. وتتأوه ولا تكف عن النحيب في كل الأخطاء والخطايا.. تحاسب صاحبها تنهيه وتزجره.. وتجرعه الندم.. فلا يعود يقع منه مع استحضار الخوف من الله عصيان محض..وضمائر ميتة نعاها أصحابها.. وشيعوها إلى مثواها بعد أن أهالوا عليها تراب.. الاغترار.. التسويف.. والجهل.. فإن المعصية والمظالم كلها... نتيجة الجهل والظن بلذة المنفعة الآنية.. على الرغم من معرفته وثقته الأكيدة بعاقبة ما يفعل، إلا أن غروره يجعله يرجو التخلص من سوء عاقبتها آجلاً.. وهذا هو الجهل المحض لأنه يتعجل الأثم.. ويسوف عز التوبة.. ويوصد ضميره بإحكام حتى لا يتسبب في إيلامه.. فقد يتمكن من التوبة وقد يعاجله الموت بغتة!.فالحي قريب... والميت بعيد عن الدنيا على قربه منها فإن جسده في الأرض يبلي وروحه عند الله تنعم أو تعذب.. مقيم إلى أن يبعث الله خلقه لقاؤك لا يرجي وأنت قريب تزيد بلى في كل يوم وليلة وتنسى كما تبلى وأنت حبيب قيل أن هذين البيتين سمعهما داؤد الطائي من إمرأة في مقبرة تندب بهما ميتاً لها، فوقعا في قلبه موقعاً.. فصحا من غفلته.. واستيقظ ضميره ورجع زاهداً عن الدنيا راغباً في الآخرة، فانقطع إلى العبادة حتى مات!. ما أكثر ما نهدهد ضمائرنا لتنام ملء جفنيها.. ونكره أن نحاسب أنفسنا.. ونرجو النجاة ولا نسلك مسالكها..! دخل قوم على الزاهد (بشر الحافي) وهو مريض فقالوا: على ماذا عزمت؟ قال: إذا عوفيت تبت! قال: لم لا تتوب الساعة؟ قال: أما علمت أن الملوك لا تقبل الأمان ممن في رجليه القيد، وفي رقبته الغل..!.فالمعافى الصحيح إنما يطلب الأمان طائعاً مختاراً.. محبة ورغبة.. والأسير أو المريض خوفاً من الهلاك.. ولكن رحمة الله وسعت كل شيء!. زاوية أخيرة: ليس مهماً أن يؤلمك ضميرك.. المهم أن تغير كل ما يسبب لك الألم.. حتى لا تعتاد عليه.. قال صلى الله عليه وسلم (إن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها).