طالعتنا الصحف في الأيام الماضية بخبر حزين مفاده أن تاجراً بالسوق المركزي يدعى (ب. شرف الدين) تعرض لحادث بشع بعد اصطدام عربته الفيستو مع قطار بضائع، حيث حاول المرور على القضيب وتعطلت عربته بتقاطع (مايو الإنقاذ)- وانشطر جسده إلى قسمين وتحول إلى أشلاء صغيرة.. عندها كان يحمل طعامه ومبلغاً مقدراً من المال إلى منزله بغرض شراء بضاعة..! وتلك مشيئة الله سبحانه وتعالى يختار لكل منا الكيفية التي تنتهي بها رحلة حياته ولا نملك إلا الرضا بقضائه وقدره!! حدثني أحد شهود العيان على هذا الحادث بكثير من الحسرة وقمة الألم بأن كثيراً من الناس تجمهروا بعد الحادث ودخول (شقيقة المرحوم) في حالة صدمة نقلت على إثرها إلى المستشفى.. واكتشف بعض الناس وجود الأموال في كيس بجوار المرحوم وما أن تم فتح الكيس حتى تبعثرت النقود.. وبدأ ضعاف النفوس في جمعها بشكل هستيري... وهم يتصارخون... خمسين جنيه عشرين جنيه.. دون الاعتبار لهذا الجسد المقطع إلى أشلاء في أبشع منظر...!فما بال أقوام لا يعتبرون... إن للموت سطوة ورهبة... تنسي أمر الدنيا وزخرفها وكل مباهجها... ناهيك عن تلك الطريقة المأساوية القاتمة...!إن المال عارية ذاهبة كما النفس... والنفس لا تقدر بمال... وللمؤمن مكانة عند ربه... فكيف بالله عليكم يتأتى للبعض أن ينصرف عن هذه (الروح المهاجرة) إلى ربها... ويلتفت لجمع المال الذي كسبه بجده وعرقه... أليس من الأولى جمعه وحفظه وإيصاله لأهله... صحيح إن الإنسان لا يقدر بمال.. وفقده لا يعوض ولكن حتماً تحتاج أسرته وأبناؤه.. أولاً لمقابلة تكاليف العزاء.. والذي أصبح في السودان مبالغاً فيه.. وثانياً للأيتام الذين فقدوا عائلهم بلا رحمة... وهم يعانون الأمرين وويلات الفراق الأبدي... قلوب خرصانية يمتلكها البعض.. طغى عليها الذنب وغلفها الران والصدأ... تحجرت المشاعر.. وتبلدت الأحاسيس وتمثلت الأنانية بكل صورها... فما عاد حتى الموت يعظهم..! زاوية أخيرة: تمثل لي المرحوم (بدوي) وأنا لا أعرفه فقلت رحمك الله أخي وأبدلك الجنة مثوى «فأنت قد فقدت نفسك ومالك وأنا أبكيك».. فردت روحه الطاهرة (نفسي التي تملك الأشياء ذاهبة.. فكيف أبكي على شيء إذا ذهبا»!