ü «حَشَّمْتُونا» يعني أخجلتمونا باللهجة العامية.. قالها القذافي في خطابه المُثير للشفقة مخاطباً المُتظاهرين الذين ردّوا على كلماته بحاصبٍ من الأحذية وعاصفة من الصفير.. لكن فضائية الجماهيرية تروِّج لخطاب القائد وتبث فقرات منه وتستضيف بعض المحللين.. والمحلل في هذه الحالة هو «التيس المُستعار» فقد طلّقت الجماهير الليبية القذافي ونظريته الثالثة بالثلاثة. وأنا أحرص بعد كل خبر عاجل يرد عن ليبيا أن أعود لمشاهدة شاشة الجماهيرية فأجدها في وادٍ بعيد كل البُعد عن ما يدور في الشوارع والمدن الليبية شارع شارع.. وبيت بيت.. وزنقة زنقة.. والزنقة تعني «الزقاق» والقذافي «مزنوق زنقة عدوك».. وبينما ينفض الأعوان والأصدقاء والقادة وأبناء العمومة حتى من حول القذافي وأبنائه.. يصر الإعلام الرسمي على تزييف المواقف وإخفاء الحقائق والتغريد خارج السرب.. ومعلوم أن الإذاعة الليبية تنطلق من باب العزيزية ولابد أنّ حراساً «غلاظ شداد» لا يعصون القذافي ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.. يقفون على أبواب الاستديوهات يحصون على العاملين أنفاسهم فيعملون مجبرين حتى اللحظة الأخيرة!! وليس في هذا «اعتذار» لهم لأنّهم هم من روَّجوا لأفكار القذافي البائسة وألبسوه حُللاً من العظمة والتأليه حتى صدق أن له مُلك أفريقيا والأنهار التي تجري من تحتها فما يعلم تابعوه لهم من إلهٍ غيره!! ü حشمتونا يا ناس الإعلام!! يقول د. لطيف زيتوني الأستاذ بالجامعة الأمريكية ببيروت عن أزمة الإعلام وأزمة الديمقراطية:- «عندما تسود الديمقراطية يكون الشعب سيداً والإعلام حُراً يعكس تنوع الآراء.. وعندما تضعف الديمقراطية يستأثر النافذون بالإعلام ويرسمون «الحقيقة» على قياس مصالحهم» إنّ السلطة التي تملك وسائل الإعلام تتعامل مع العاملين فيها «بذهب المعز أو سيفه» إغراءً أو وعيداً.. وكذلك رجال الأعمال الذين يملكون وسائل إعلام يشترون ذمم العاملين معهم بالعلاوات والوعود بالمراكز الجيّدة!! والإعلاميون كغيرهم من البشر يُغريهم المال والمركز!! فينسون القيم التي كانوا يدعون إليها والسعي إلى مستقبل أفضل والترّفع عن السطحية والمادية وضبط شهوات النفس وتعميق فهمنا للعالم الذي نعيش فيه.. والمشاركة في هموم الشعب والوطن.. ويكفي أن نجيل النظر بين الفضائيات فنكتشف كم أن الشعب غائب عن برامجها وهي تستضيف المغنيين والممثلين والسياسيين ورجال الأعمال «المُعلنين».. وتستنكف عن استضافة عامل أغبش أو مزارع أحرش أو طالب أو موظف صغير أو أم مثالية تبيع الشاي أو الكسرة.. والنتيجة فقد صرنا نعرف كل صغيرة وكبيرة عن المشاهير في مجال السياسة أوالاقتصاد أو الغناء.. ونجهل الكثير عن أوضاع شعبنا.. حتى صارت أحلام كل فتاة أو شاب أن يصبح «مُطرباً».. ألم ترى كم يُفرِّخ برنامج مثل «نجوم الغد» من الفنانين والفنانات الأحياء منهم والأموات؟ «ولو كان الإعلام حراً لساهم كثيراً في التثقيف والتوعية وتكوين الرأي العام وفي استعادة ما ضاع من القيم الإنسانية.. وفي إعادة الحياة إلى الديمقراطية.. وفي محاصرة العولمة بالضوابط» هكذا يتحدّث الدكتور لطيف زيتوني في ختام مقال رصين. ü وقف إعلامنا الرسمي موقف المُتفرّج في كثير من القضايا الساخنة التي تدور من حولنا انتظاراً للموقف الرسمي.. والمواقف الرسمية محكومة بمعاهدات ومواثيق وعلاقات دبلوماسية ومصالح مشتركة.. فتراها تصمت أو تكتفي بإبداء «القلق» إزاء موقف معين وهذا ما يحدث بين كل دول العالم.. وهذه أمريكا مثلاً كانت تقدم رجلاً وتؤخر أخرى بل فلنقل «تؤخر رجلاً وتؤخر أخرى» ريثما تعرف مصير العقيد وعمَّا إذا كان بمقدوره إخماد الثورة «بأي كيفية» حتى لا تُضار مصالحها لو أدانت القذافي ثمَّ عاد إلى السلطة!! فما بال إعلامنا يتخلى عن دوره الرائد في مثل هذه القضايا التي توثر سلباً على صورة بلادنا بصرف النظر عن الموقف الرسمي للدولة.. رحم الله أيام الرائد يونس وحديثه السياسي اليومي الذي كان يُزعج الدوائر الدبلوماسية وربما يُفسد عليها بعض تدابيرها لكن يونس لم يكن يستأذن منهم ولا يعتذر لهم!! ü فضائية الجماهيرية تبث الأغاني الوطنية التي تمجد جماهيرية القذافي وكتابه الأخضر ونظريته الثالثة وممالكه الأفريقية ونهره العظيم.. وتُعيد بث فيلم عمر المختار.. والذي تُشير لقطة الطفل الذي صعد إلى منصة المشنقة والتقط النظارة الطبيّة لشيخ المجاهدين والتي سقطت من بين يديه لحظة شنقه.. إلى القذافي.. يرمز الطفل إلى القذافي الذي سيواصل مسيرة الجهاد!! وقد رأينا جهاده الذي بدد ثروات الشعب الليبي في نزاوته.. وشهوات أبنائه وتحقيق أمجاده الشخصية إذ يقول «أنا المجد» أي أنا الدولة والدولة أنا.. وسنرى مصارع الجبابرة.. وهو عنوان اختاره المهندس الصافي جعفر لندوته بمركز النفائس والتنمية بداره العامرة في الأول من مارس.. ومصير كل جبار في الأرض أن يدمره الله تدميراً.. وتدميراً لا تعني التنحي أو الاستقالة أو التنازل أوالتخلي ولكنها يد الله الذي يمد للظالم فإذا أمسكه لم يفلته!! ü هذا ويحتدم الصراع مع إعلامنا حول الأشخاص مَنْ يُقصي مَنْ؟ ومن ينتصر لمن؟ والرسالة غائبة.. ولم يلتفت الناس للفضائية السودانية إلا عندما تعرضت إشارتها للتشويش جزى الله المشوشين خيراً فقد تحولنا لنبحث عن الفضائية السودانية يقول الإعلام الرسمي في ليبيا وأشباهه في الأقطار الأخرى «إنّ السمكة عندها أربعة كُرعين وبيضبحوها في الضحية وبتقول باااع وأول حرف من اسمها خروف». وهذا هو المفروض