قرأت بصحيفة آخر لحظة في عددها رقم 1621 الصادر يوم الثلاثاء 15/2/2011م وبعمودكم «خارج النص» وتحت عنوان «القرار الصائب»، تعليقكم على البيان الذي أصدره من أسميتهم (ثلة ممن يسمون أنفسهم بقيادات النظام الأهلى بولاية الخرطوم حول قرار السيد/ والي ولاية الخرطوم بحل أجهزة النظام الأهلي بالولاية، ذلك القرار الذي انفردت صحيفتكم بنشره، وتعليقاً على تعليقكم أرجو التكرم بنشر ذلك في عمودكم عملاً بحرية الرأي وتحقيقاً لشعاركم بأن صحيفتكم «منبر كل السودانيين». كما ذكرت في مقال لي بعنوان «حوار هاديء مع السيد الوالي حول قرار حل أجهزة النظام الأهلي»، «أتوقع أن ينشر قريباً».. إن هذا القرار قد جانبه الصواب والتوفيق وإنه أُتخذ على عجل ودون دراسة للآثار السالبة التي قد تترتب عليه، ذلك لأن نظام الإدارة الأهلية ضارب بجذوره في أعماق التاريخ، الأمر الذي دفع السلطات الاستعمارية وكل الحكومات الوطنية المتعاقبة للاعتراف به والعمل على تطويره. لقد ذكرت أخي العزيز في عمودكم أن «والي الخرطوم نظر وفكر وقرر إلغاء نظام أهلي لا حاجة للخرطوم به، وسد أبواب فتنة أخذت في التنامي»، لكني أقول لك إن هذا القرار قد صدر في وقت ولاية الخرطوم أحوج ما تكون فيه إلى وجود كيانات قبلية، لأن ولاية الخرطوم وكما ذكر الوالي تمثل اليوم بوتقة قومية لكل سكان السودان، ومعلوم أنها ومنذ موجة الجفاف التي ضربت البلاد في عام 1985 قد شهدت عمليات نزوح للعديد من سكان تلك الولايات التي تأثرت بهذه الموجة، إليها بحثاً عن ظروف معيشية أفضل، ولا شك أن من بين هذه المجموعة التي نزحت إلى الخرطوم من ينتمون إلى قبائل نزحوا بعاداتها وتقاليدها، ذلك لأن النظام الأهلي وكما ذكرت سابقاً، ضارب بجذوره في أعماق التاريخ، هذا فضلاً عن القبائل الموجودة أصلاً بولاية الخرطوم ويتمتع هؤلاء الناس به، حيث يقوم أساسه على التمسك بالتقليد والعادات، لذلك نجد أن السلطة القبلية خبيرة بحياة أفراد القبيلة وعاداتهم وكل ما تعلق بهم، وقد لعبت هذه السلطات القبلية من نظار وأمراء وسلاطين وعمد ومشائخ وغيرهم.. دوراً كبيراً ومهماً في إدارة السودان منذ تقنين الإدارة الأهلية في بداية عشرينيات القرن الماضي بعد أن تم اقتباس التجربة من بلاد الهوسا بشمال نيجيريا، واستمرت هذه السلطات القبلية تقدم ذلك العطاء حتى بدأت تهب عليها رياح عاتية تطالب بحلها وتصفيتها بعد ثورة أكتوبر.. وتوالى استهدافها بعد ذلك بين تصفية وإعادة لأسباب ضيقة لا تمت للمصلحة العامة بشيء، فهذه السلطات أو القيادات القبلية تتحرك لحل المشاكل الخاصة بأهلها وقد كانت لها إسهامات واضحة في ذلك لا تخطئها إلا عين بها رمد، وهذه القيادات لم تسعَ إلى النظام الأهلي للتكالب عليه وتسويقه في سوق السياسة كما ذكرت أخي، بل تحركت للنفع والفائدة التي يمكن أن تتحقق لأهلها، أما حديثكم بأنه «لو كان للنظام الأهلي نفع لتكالب عليه أهل الإقليم الشمالي، ولأصبح للشايقية ملك في الخرطوم وللجعليين ناظر في بحري والمحس سلطان في الكلاكلة، لكن الشمال تجاوز حقبة النظام الأهلي بالتطور والدولة الحديثة».. أقول لك كيف يكون للجعليين ناظر في بحري ورئيس الجمهورية منهم، وكيف يكون للشايقية ملك في الخرطوم ونائب رئيس الجمهورية منهم، وكيف يطالب المحس بسلطان ووزير الدفاع ابن عمهم، حيث ينتمي إلى الدناقلة.. وقس على ذلك بالنسبة لبقية قبائل الشمال، فلو أن أهل كردفان ودارفور كانوا قد تجاوزوا حقبة النظام الأهلي كما تجاوزها أهل الشمال لما ظل أهل دارفور يطالبون بمنصب لنائب الرئيس، ولما نصت اتفاقية السلام الشامل التي أفضت إلى فصل جنوب السودان، على أن يكون النائب الأول للرئيس من أهل الجنوب. أما نعتكم للذين يصدرون البيانات بأنهم كاذبون ومراؤون بادعائهم أنهم مفوضون من قبائلهم، فهو حديث ينسجم مع اسم عمودكم «خارج النص»، وأرى أنه قد تجاوز الحد، إذ أسأتم فيه لأناس لا تعرفون قدرهم وينطبق عليكم قول شاعر العرب أبو الطيب المتنبيء: قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم فقد كان عليكم أن تتحروا الدقة فيما تكتبون وأن تكلف نفسك ولو لدقيقة واحدة لتبحث في مناقب هؤلاء القادة بدلاً من الإساءة إليهم، وأذكرك بقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، فأنت صاحب كلمة.. وهلا يكب الناس في جهنم إلا حصائد ألسنتهم وللحديث بقية تأتي لاحقاً إن شاء الله. والله الموفق عبده مصطفى داؤد الأمين العام لإمارة عموم / قبيلة الهوسا بالسودان