الحق.. وشرف المهنة- (الصحافية طبعاً)- يفرضون عليّ بإلحاح شديد أن أسطر شهادتي لله.. وللتأريخ، وللرأي العام بشأن د. محمد عثمان إبراهيم الذي هو اليوم أمين عام لديوان الضرائب (فنعم الأمين)، والذي كان بالأمس حارساً قوياً يقظاً لصحة ومال واقتصاد المستهلك، جاء إلى هيئة المواصفات في مطلع العام الماضي 2010 مستشعراً عظم الأمانة الملقاة على عاتقه، تحس وتلمس إشفاقه منها في كل سكناته وحركاته، وفي تدقيقه الشديد في كل شاردة وواردة صغيرة كانت أم كبيرة(يحكها لمن تجيب الدم)، للحد الذي جعل البعض يتململ ويمتعض، وهذي لعمري ميزة لا يُلقَّاها إلا الصادقون المشفقون من أن تكون الأمانة في يوم لا ينفع مال ولا بنون عليهم خزياً وندامة، كرَّس وقته وجهده للهيئة.. لقد كان مديراً بل قائداً فذاً لا يخشى في الحق لومة لائم، ذكياً لمّاحاً استوعب وهضم تفاصيل ذلك المجال الجديد على مسيرته العملية بسرعة خارقة.. يمتلك قدرة خارقة على التقييم والتقويم.. يوازن باقتدار بين كافة المصالح.. لا يخلط العام بالخاص.. لا تعرف الوساطة والمحسوبية إليه سبيلا.. عنيد في الحق.. لا يخشى من زوال المنصب أبداً، يتخذ قراراته بثقة وحرية تامة دون إملاءات.. مرتب الأفكار والأوراق.. قارئ ومستمع ممتاز.. قوي الملاحظة, حاسم حازم، أي والله هذه صفاته التي عرفناه بها خلال هذه الفترة الوجيزة، وقد تعلمنا منه الكثير (نثووور ونفووور)، ونغضب من بعض قراراته، ليتضح لنا بعد خمدان فورة الغضب إنها الأصوب والأصلح وقته للعمل (وبس): لا للثرثرة في التلفونات (كذّاب البقول ليك عارف رقم جواله).. لا للزيارات الخاصة.. لا للمجاملات.. لا للوساطات.. لا للجان إلا للضرورة القصوى ولا تنبثق منها لجان بل محدد لها المدى الزمني لإنجاز مهامها في ذات قرار تشكيلها (ومحتسبة في معظمها طوعاً أو كرهاً) علماً بأنه عندما تسلم مهام ومسؤوليات هذه الهيئة قد وجد فيها أكثر من خمسين لجنة- بخلاف اللجان الفنية للمواصفات- (تسرح وتمرح).. لا للإجتماعات الممطوطة والمترهلة.. لا لسلحفائية الإجراءات ..لا لأي تجاوزات.. (ظبط وربط تمام).. ضبط الهيئة مالياً، وإدارياً، وفنياً (شكلاً ومضموناً)، لملم أطرافها المبعثرة هنا وهنااك!! .. وأهديكم هذه النماذج من المواقف لتتبينوا وتتحققوا عن أي نوع من الرجال المسؤولين أكتب: في خواتيم العام 2010 أشرف إشرافاً لصيقاً على تعيين (85) خريجاً وخريجة في المركز والولايات من المتميزين أكاديمياً في تخصصات فنية ملحة تحتاجها الهيئة، فأتت هذه الاشتراطات الرفيعة بواحدة من الخمسة الاوائل في الشهادة السودانية من الاعوام المنصرمة وقد تخرجت مهندسة بتقدير ممتاز (وشالت هم تلقى الواسطة ويين) لتتويج جهدها وجهد أسرتها بوظيفة ترد منها ولو بعض الدين أو على أقل تقدير (تزيح بها همها عن كاهل أسرتها).. ولكن د. محمد عثمان بمعايير العدالة والشفافية هيأ لها سانحة أتت بها محمولة على أكتاف تحصيلها الأكاديمي (مُش على أكتاف المحسوبية!!). وأيضاً أتت تلك المعايير العادلة للتوظيف بمن هم أوائل دفعاتهم طوال سنوات دراستهم الجامعية.. وهاكم هذه الواقعة: أحد المستوعبين في تلك الوظائف قرر الإستقالة من الوظيفة التي تحصل عليها في معاينات المواصفات بعد شهرين من تعيينه (وجد وضعاً أفضل)، على الفور صدرت التوجيهات لمدير شؤون العاملين بأن يتصل على الأول في قائمة الإحتياطي حسب الكشف المُستلم من لجنة الاختيار، وبدأت رحلة البحث عن ذلك الخريج الذي تم طبع رقم تلفونه خطأ، وكلما يرجعون إلى د. محمد عثمان ليقنعوه ألاَّ جدوى من بحثهم لم يعثروا على أي خيط يوصلهم إليه، ردهم على أعقابهم مزجورين ومحاصرين قائلاً لهم بالحرف الواحد: الولد ده تجيبوه من طقاطيق الأرض أصلاً ما ممكن نحمله نتيجة خطأ هو ما عنده فيه ذنب، وظل مضيِّقاً عليهم الخناق( لما محنوا خلااص) استدعى سلطات الأمن وكلفهم بالبحث عن هذا الولد، رجال الأمن يعجبوك استنفروا ناسهم في بورتسودان (هووب) أمسكوا بخيط موصل للهدف الدوخ (صديق وجماعتو وخلاهم مزرزرين زرة العدو) طبوا على أخته في مدرستها مستفسرين عن مكان أخيها، المسكينة (نططت عيونها) فزعاً، لكن طمنوها الداعي خير، اتجه الركب الأمني إلى أحد الأحياء الشعبية ببورتسودان ليجدوا الخريج (جاري المِحنة جنب أمه) فاقد الأمل، فأبلغوه بأنه أصبح من زمرة موظفي الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس ليضج المنزل بالزغاريد ويتوافد الجيران والحبان مباركين وسط فرحة وذهول أسرة ذلك الخريج المحظوظ.. أما الخريج الإحتياطي الآخر أيضاً تعبوا في البحث عنه لكنهم لم يصلوا مرحلة الإستعانة برجال الأمن_ ليتصل والده وهو موظف بالمعاش معرباً عن اندهاشه بأنه ما قادر يصدق إنه لسه في ناس في البلد دي نضيفين وشفافين وعادلين للدرجة دي!! نعم سادتي هذا هو د. محمد عثمان إبراهيم الذي فيه يتجادلون!!.. قدره دائماً يضعه في الجبهات الساخنة، وهل هناك أسخن من جبهات قسمة الموارد!؟، وإدارة شأن حماية المستهلك من (زخم الأسواق)!!؟، وإدارة شأن الضرائب في (زمن الفرقة والإنفصال) والفطام القسري من ثدي بقرة البترول الحلوب الذي استأصله السرطان السياسي!! نسأل الله العافية.. إذن كل من يتولى مسؤولية هذه الجبهات المولعة بكونه (شايل وش القباحة) مهما تجمل وتحلى (ولو تعلق بأستار الكعبة).. أتمنى أن يفتح اتحاد أصحاب العمل عقله وقلبه ويضع يده في يد هذا الرجل المؤسسي الضليع بدون أي حساسيات أوضغائن أو إحن.. تعاونوا وتعاملوا معه بصدق وشفافية قمة وقاعدة وخطوا خط تحت(قاعدة دي)، أهم شيء تكونوا ضامنين قاعدتكم ومالين إيديكم منها تمام(أصحاب العمل ليس أعضاء المكتب التنفيذي وبس)، عشان أي اتفاقات بينكم وبينه تؤتي أُكلها.. أفتحوا صفحة جديدة اسمها الضرائب فهو لا يخلط بين الأشياء.. عندما كان الأستاذ عثمان ميرغني يكتب تلك الكتابات النقدية الساخنة ضد هيئة المواصفات، كلف المستشار القانوني أن يفتح ضده بلاغاً لدى السلطات القانونية، ولكنه في ذات الوقت لفت نظر مسؤول وحدة الإعلام بأنه يجب ألاَّ تُعاقب صحيفة التيار بقطع الإعلان عنها بسبب كتابات رئيس تحريرها أو أي كاتب آخر.. أسأل الله أن يفتح بين د. محمد عثمان وبين أصحاب العمل بالحق وأن يؤلف بينهم في شراكة وطيدة مثمرة تقيل عثرات اقتصادنا بعد ذهاب ذلك البترول المنجوه الممحوق.غادر د. محمد عثمان إبراهيم هيئة المواصفات وهو محل تقدير وإشادة من جُل العاملين المنصفين الذين منَّ الله تعالى عليهم بنعمة رؤية الحق حقاً ورزقهم اتباعه، بل حزنوا لفراقه، وتحسروا على فقده، عبَّر عن هذه المشاعر الصادقة نحوه أحد الموظفين الذي لم يسبق له التعامل معه مباشرة، حينما دخل عليه الدكتور في مكتبه مودعاً- قائلاً بنبرة تفيض صدقاً وتأثراً: والله يا دكتور ذكرتنا أيامك بعهد الصحابة، علماً بأن هذا الموظف قد شكل له الدكتور مجلس محاسبة لخطأ إداري اقترفه وحاسبه!! هكذا الإنصاف و(فريز الكيمان).. لقد افتقدت الهيئة والمستهلك قائداً فذاً، أميناً، صادقاً أدى الأمانة دون إفراط أو تفريط، اجتهد ما وسعه الاجتهاد والجهد الإداري والفني، ليعبر بتلك السفينة إلى بر الأمان.. وقد قال وهو يقسم صادقاً بعد أن أمضى شهرين فقط في إدارة الهيئة وهو يخاطب العاملين:- لقد تقلبت في المواقع الإدارية والدستورية (20) سنة ما مر عليَّ أبداً ولا أُرهقتُ وأُجهدت وأُُرقت مثل هذين الشهرين العصيبين!! بعد عام وبعد أن فرغ من تسليم خلفه تلك الأمانة الثقيلة المثقلة، وبعد أن طاف خلال يومين خصصهما لوداع العاملين (مكتباً.. مكتباً).. فرداً فرداً.. يداً.. يداً وحضناً حضناً..(زنقة ..زنقة)، والفي الإجازات والولايات أرسل لهم كلمة وداع مؤثرة مفعمة بالمشاعر الإنسانية الصادقة مكتوبة عُلقت على البوردات، إذا به يرتمي على إحدى كنبات استقبال مكتبه جاراً نفساً عميقاً كمن زُحزح عن كاهله جبل ضخم من الهموم وهو يرفع يديه لله قائلاً: يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك..وداعاً أيها القائد الجسور د.محمد عثمان إبراهيم.. ومرحباً أيها الربان الجديد لسفينة حماية المستهلك والاقتصاد الوطني الفريق عبدالله حسن عيسى، فالأقدار حملتك من رمضاء الضرائب التي مددت إليها ظلاً وارفاً امتصّ حرارتها، إلى (ملالة) المواصفات والمقاييس التي نسأل الله تعالى أن يجعلها عليك برداً وسلاماً.