صورة نقد زعيم الحزب الشيوعي التي التقطت له وهو يمشي داخل ميدان أبو جنزير حاملاً لافتة مكتوب عليها «حضرنا ولم نجدكم» صورة تبعث الحزن على الشيخ المسن الذي بلغ عمراً عتياً أمضى أغلبه تحت الأرض.. أمضاه دون أن يحقق أي بطولة تحسب له من الاختفاء الطويل.. الذي لم يتعلم فيه شيئاً في الحساب السياسي هكذا تقول الوقائع.. عمر ملأ حياته بالظن الذي دعاه للحضور إلى ميدان أبو جنزير باعتقاد أنّ الميدان سيكون ممتلئاً عن آخره بالثوار وأنه سيجد هناك كل قادة الأحزاب المعارضة للانطلاقة نحو القصر الجمهوري للعصف بالرئيس البشير ولكنّه خاب ظنه عندما وجد كل شيء في الميدان بخلاف ما كان يعتقد الشيء الذي دعاه الى التقاط ورقة سميكة مرمية على الأرض كتب عليها «حضرنا ولم نجدكم» ليرفعها ضد الأحزاب في الوقت الذي جاء فيه ليرفع الشعارات التي ضد الحكومة، وجاء خذلان نُقد من تخلّف قوى المعارضة عن الظهور في الموعد المُتفق عليه جاء وحالة نقد القابع على رأس حزبه برغم العمرالذي يؤكد ما آل إليه حال الحزب الشيوعي من ضعف.. ومعلوم أنه الحزب الذي تركه حتى أهله الذين نبعت الشيوعية عندهم بينما بقي نقد متمسكاً به كواجهة ليُقال عنه زعيم لكيان لا يهمه عدد عضويته.. ولا يهمه شيء غير أن يكون زعيماً لأي عدد وإلى الأبد.. فالرجل لم يقل في آخر مؤتمر عام لحزبه إن الشباب المتبقي في الحزب أولى بالقيادة مني وهذه السياسات هي التي جعلت الكثيرين يختارون الابتعاد عن الحزب وجعلت كثيرين في مسيرته يتخلون عن الشيوعية وجعلت ارتباط كثيرين بها أو هي من خيط العنكبوت وأضعف من قدرة الشيخ المُسن على تحريك الشارع أي شارع ليقف معه في ميدان أبو جنزير.. ومعلوم أن عامل الشيخوخة له أثره حتى على الحساب فالرجل يُريد أن يخرج الصادق المهدي وأنصاره معه ضد الحكومة في الوقت الذي يفاوضونها للدخول معها في الحكومة القادمة ويُريد من الاتحاديين أن يكونوا معه برغم سماعه بالاتّفاق الذي قد تمّ مع الزعيم مولانا الميرغني للدخول في الحكومة وبرغم مشاورات إعداد الدستور الجديد الجارية وبرغم علمي أن الشارع لا يكره شيئاً مثلما يكره الشيوعية الحمراء التي فارقها أحمد سليمان المحامي وكتب عنها مشيناها خطى وفارقها حتى عبد الله عبيد الذي كان من أنشط كوادرها في أم درمان وفارقها كثيرون انضموا للأحزاب الأخرى وتركوا نقد وقلة معه يمشون تحت لواء نحن قادة الحزب الشيوعي إلى الأبد.. وما حدث لنُقد من خذلان هو تأكيد على أن الأحزاب المعارضة لا تُريد طريق نُقد وأنها تضحك عليه وهو يُصدّق ويكتشف في اليمدان أنّه مقلب.. فالشعب أخي نُقد لا يخاف من السلطات الأمنية إذا أراد الثورة بحساباته ولا يحتاج إلى توجيه من حزب وقد قال مُدير جهاز الأمن والمخابرات بنفسه إن الشعب إذا أراد شيئاً لن تقف في مواجهته أية أجهزة والتجارب في مصر وتونس أكّدت حديث الفريق أول محمد عطا الذي قاله قبل تلك الثورات.. فمن يقنع نقد بأن الوقت ليس وقت ثورات الآن في بلادنا.. والشعب لا يُريد الخروج الى الشارع كما أن المعارضة تتحاور مع الحكومة حول الدستور القادم وأن الكبيرة منها قد قطعت شوطاً بعيداً في الاتّفاق مع الحكومة وأن الحكومة جادة في أن تكون الانتخابات القادمة في موعدها بدستور جديد يُشارك فيه الجميع إلا من أبى ويجب ألا يفوت على نُقد أن الشعب الذي قاد الثورات في مصر وتونس لم يكن منتمياً للأحزاب وأن الأحزاب والنقابات هي التي لحقت بالثورة.. وأن زمان قيادة الأحزاب التقليدية للثورات قد انتهى وأن الثورات صار يقودها الشباب الذين لا ينضوون تحت الأحزاب ففي مصر قادها الشباب ثم لحقت بقطارها الأحزاب حتى لا يفوتها وفي تونس قادها الشباب ثم لحقت بهم النقابات.. إنهم فقط يلحقون بما يجري ولا يصنعون شيئاً بعد أن هرمت الأحزاب التقليدية.. وفقدت القدرة على تحريك الشارع ولا ندري متى يفهمها نقد.. الذي كتب حضرنا ولم نجدكم فقد فهمها بن علي ثم فهمها مبارك وعلى نقد أن يفهم أن الشباب ليس معه ولا مع ثورة يصنعها ويأتي الديناصورات بعد ذلك ليسرقوها.. كما عليه أن يفهم أن الشباب لم يصل الى ما وصل إليه الناس في تونس ومصر وليبيا ولو وصلوا لما احتاجوا للسيّد نقد ليعاتبهم بأنه حضر ولم يجدهم ووجد السلطات التي شاهدت الإحباط يتملّكه فأوصلته إلى منزله بسلام. أخيراً إنّ الحزب الشيوعي الذي فقد الكوادر التي تقرأ الواقع وتحلله صار يعمل على الظن فهو يظن أن الحكومة في أضعف حالاتها ويظن أن الجماهير معه هو بينما الواقع يقول إن الجماهير غير ذلك ويؤكد أن الشعب صار أكثر وعياً من الأحزاب التقليدية وأنه لم يعد يستجيب لإشارات من هذا أو ذاك.. وأنه صار شعب حسابات.. والحسابات عنده لم تعد مع الخروج للشارع للهتاف مع نقد وغيره من اليساريين ضد الحكومة. العك الكروي اتّصل بي صديقنا عثمان عبد العظيم نائب المدير العام للبنك العقاري عقب مباراة هلال مريخ أمس ليقول سكواها سواها ويرد عليّ عندما قلت له: بأن ما تمّ لا يتعدى العك الكروي الذي لا يشبه الهلال والمريخ بأنها «كده عاجبانا» وعثمان معروف أنه من المريخاب المُتعصبين الذين لا يهمهم أن يُقدّم المريخ في الملعب أي عرض بقدر ما يهمه أن يهز أي لاعب فيه شباك الهلال ومثل عثمان كثيرون خرجوا ليلاً وملأوا إستاد المريخ يغنون ويرقصون حتى الصباح.. بينما أنا مندهش فلا شيء يفرح فالحال في الميدان كان مُحزناً ومؤشراً خطيراً على أن حال الفريقين المُقبلين على منافسات خارجية في خطر.. هكذا قالت مجريات المباراة التي لم نشاهد فيها إلا عكاً كروياً لا يشبه كرة القدم التي تقوم على المتعة في كل شيء وهذا ما افتقدناه في هلال مريخ الأخيرة ضعيفة المستوى التي تجعلنا نخاف على الفريقين أكثر مما نفرح.