كانت التحليلات والقراءات في الماضي تقول إن المخرج الوحيد لثورة الشباب وغضبهم في العالم عبر التطرف الإسلامي والعنف، وذلك في العام 2003م حين أصدر معهد بروكن تقريراً عن الشباب العرب، محذراً من أن هؤلاء الشباب تربوا في أجواء من التطرف الديني ومعاداة أمريكا، وأصبحت عندهم قيم تشكل عناصر تكوينهم وتوجهاتهم الغاضبة المتوجة من المستقبل، لكن مما حدث في تونس ومصر ثم ليبيا، أصبح هذا الاعتقاد غير صحيح، إذ إن الشباب العرب جزء كبير من أغلبية صامتة معتدلة في كل دولة عربية، إذ كما تشير احصائية الأممالمتحدة للسكان وتوزيعهم حسب الأعمار أن أكثر من 50% من سكان كل دولة عربية أقل من ثلاثين عاماً كما هو موضح في الجدول، كلهم ينادون بالحرية التي تأتي مع الديمقراطية ويفضلونه على حكم الفرد أو الحكم الشمولي العقائدي. إحصائية أجريت في 9 دول عربية عام 2010 أظهرت أن الشباب يفضلون الحرية والديمقراطية على البنية المدنية، التعليم وحتى المرتب المجزي.. وأوضحت الاحصائية أيضاً أن ليس كل الشباب يدرك المعنى العميق لنوع الديمقراطية، بل يمؤمنون بأنها فقط مكونة من انتخابات حرة نزيهة يمكنهم عبرها تغيير الحكام، إذ إن معظمهم ولد وشب في ظل رئاسة شخص واحد، ولم يعرفوا تغيير رئيس (4) أو (5) سنوات، حتى قال أحدهم إنه لا يأبه بمن يقود بلاده طالما هو يملك المقدرة على تغييره إذا لم يعجبه، إذن ما الذي حدث حتى تخرج كل هذه الثورات الشبابية في فترة لا تزيد عن شهرين، الذي حدث أن هؤلاء الشباب وهم أكثر من 50% من سكان المنطقة لهم تطلعات مشروعة يجب أن تلبى، لكن الأنظمة لم تأبه بمطالبهم وتم إهمالها بحجة أنها حركات إسلامية متطرفة، في حين أنها كانت مطالب نابعة من داخل أوطانهم وشعورهم بالظلم والمستقبل المظلم، كانوا ينادون في المقام الأول بمعاملتهم في وطنهم كمواطنين لهم الحق في العيش الكريم، في حرية وديمقراطية، ومنحهم وسائل العمل، والتعليم والصحة، والرعاية الاجتماعية، إذ وصلت البطالة في بعض البلدان إلى 25% كما في الجدول. كل الأنظمة العربية الحاكمة لجأت لأحد الخيارين- القمع الجماعي أو الرشوة الجماعية.. القمع الجماعي عبر وسائل أمنية محكمة كما في مصر، تونس، وليبيا، والتي أفلحت في كبح جماح الحركات الشبابية لعقود عدداً، الرشوة الجماعية في دول الخليج الغنية بالبترول، ولكن أثبتت ثورات الشباب في مصر، تونس، ليبيا و البحرين فشل الوسيلتين تماماً، فالبحرين والكويت والسعودية أغرقت المال على مواطنيها، ولكن الشباب في البحرين يطالب بالملكية الدستورية، وهي مثل ديمقراطية المملكة المتحدة البريطانية، وهي ملك بدون سلطات في ديمقراطية برلمانية، الذي حدث أن هذه القوة الشبابية كانت كلها تعاني كأفراد أو مجموعات صغيرة خاملة تحركت واكتسبت القوة بفضل أنها أصبحت متواصلة بالتقدم السريع في تكنولجيا المعلومات، ونقلها عبر الانترنت، شبكات التلفزيونات القوية المؤثرة، مثل الجزيرة، الهواتف النقالة، ورسائلها السهلة، وتسريبات المنظمات والشركات الخاصة عن تحرك الأموال من الدول إلى الحسابات الخاصة مثل ويكيليكس كلها لعبت دوراً مؤثراً في توعية وتعليم وإخبار الشباب، وربطهم ببعضهم، مما أدى إلى توقيتهم كأفراد أو مجموعات في المنطقة، وبنفس القدر أضعفت الأنظمة، في الماضي منظومة المعلوماتية كانت تنحاز إلى من هم في السلطة لأنها التي تخاطب الأغلبية، وهي وسائل الإعلام المسموع مثل الإذاعة- التلفاز، لذلك كانت كل الانقلابات تركز في المقام الأول على الاستيلاء على الإذاعة والتلفزيون لمخاطبة الشعب، أما الآن التكولوجيا متعددة ومتاحة لمخاطبة الكل دون حواجز أو حجب، بالطبع يمكن لبعض الأنظمة حجبها كما حدث في ثورة مصر وتونس وليبيا وإيران، لكن يؤثر هذا الحجب بدرجة أكثر حدة وخطر على الأنظمة نفسها.. هل يمكن أن تعمل البنوك دون وسائل اتصال خارجية وداخلية؟ وهل يمكن انسياب التجارة والخدمات دون وسائل اتصال؟ وهل يمكن أن يتقدم الاقتصاد الوطني بمعزل عما يجري في العالم من تقلبات في الأسعار للصادر والوارد؟ عليه وعملياً لا يمكن قفل البلاد في وجه نقل المعلومات والدول التي تريد تطلعات وطموحات مواطنيها لا سبيل لها إلا بالانفتاح على الشعب والوضوح معه في شفافية تامة، ومعاملة الشباب بصفة خاصة كبشر لا أدوات تحرك، حتى الشباب الملتزم يمكن في لحظة أن يتحرك في البداية بعقلانية الالتزام السياسي للنظام، ويتحرك بخطىً متسارعة في وتيرة تتناسب عكسياً مع سرعة استجابة القطاع لمطالبهم وملاحظتهم.. عليه وقياساً مع ثورات الشباب الناجمة في تونس، مصر، ليبيا وقريباً اليمن، البحرين، الجزائر والمغرب يجب استباق العواصف الكامنة بالآتي: الاعتراف بقوة الشباب وعددهم الذي يشكل أكثر من 50% إلى 70% من تعداد سكان كل دولة في المنطقة كما في الجدول، والاعتراف بأن ما بين 15% إلى 25% منهم عاطلون لا أعمال لهم ولا تعليم كما الجدول، تأكدت من دقة الجدول بمراجعة تحليل آخر احصاء في السودان- الخامس في العام 2008م- إذ أفرزت تحليلات الاحصاء الخامس أن مجموع السكان تحت سن 34 سنة يبلغ 30.016.00 (حوالي 30 مليون) أي نسبة 77% من جملة سكان السودان البالغة 39.154.490 شخصاً. وإن من هم دون الثلاثين يبلغ عددهم 27.512.137 أي 70% من السكان وأن من هم بين 15 إلى 34 سنة 13.332.296 اي 34% من السكان، وهي الشريحة المؤثرة في أي ثورة، بينما أظهرت إحصائيات التعداد الخامس أن من هم بين 60 إلى 69 عاماً- وهو جيلنا نحن والحاكم الآن- يبلغ 1.087.391 منهم الذكور 608.521 أي 1.5% من كل تعداد السودان، ومن الإناث أي 1.2% من تعداد السودان، وجملة نسبة من هم بين 60 إلى 69 عاماً ذكوراً وأناثاً تبلغ 2.7% فقط من كل السودان. الاعتراف بأن هذه القوة الشبابية المؤثرة أصبحت مرتبطة ومتواصلة بوسائل وتقنيات وشبكات تلفزيونية، ومعلومات دقيقة لا يمكن منعها أو حجبها، إذ إن أثر الحجب والمنع يؤثر سلباً وبدرجة أخطر على الأنظمة والدول تعيق كل تقدم وتطور ونمو اقتصادي. الاهتمام بالاحتياجات الأساسية، التعليم، الصحة، البيئة، التنمية الاجتماعية ومحاربة البطالة وتشغيل الخريجين. تشجيع الدراسات المهنية في معاهد في مجالات الزراعة، الثروة الحيوانية، الأعمال الحرفية بوسائل تقنية عالية. تشجيع العمل اليدوي على المكتبي بحوافز وتمويل جاد لصغار المزارعين، الحرفيين ومنحهم الأرض والورش والمعدات الحديثة في كافة المجالات. إعادة الحياة الاجتماعية والترفيهية إلى البلاد وبصفة خاصة الخرطوم، وعدم ترك هذا الأمر المهم للأمزجة الشخصية والنزوات الفردية والقرارات المؤثرة دون دراسة، إذ لا يمكن محاربة كل الناس بكل أعمارهم في كل الاتجاهات، لماذا نزيد نار الشباب اشتعالاً وغضباً باضافة شريحة كبيرة جداً منهم لا علاقة لها بالسياسة وبمن يحكم، لا أجد سبباً واحداً وجميعاً وجيهاً لمنع الشيشة كمثال، وأندية الانترنت كمثال آخر، وكانت تعمل في أماكن محترمة، ساطعة الاضاءة معدة إعداداً متفاوتاً حسب المقررات المالية لكل من يرتادها، وكانت مراقبة مراقبة صارمة بواسطة النظام العام، هل زالت تماماً من المجتمع!! لا ثم لا.. تحولت إلى الغرف والشقق والمنازل المظلمة والأحياء المحافظة، وأصبحت كلها ملاذات آمنة لممارسات لا يمكن حدوثها في تلك الأماكن العامة التي أصبحت خاوية على عروشها، تحول هذا النشاط إلى أماكن يصعب بل أحياناً يستحيل مراقبتها وضبطها، تحولت إلى أماكن كما قال الشاعر المرحوم الحسين الحسن: حيث لا أمنيات تخيب.. ولا كائنات تمر. إعادة النشاط الرياضي في الأندية وإعادة منافسات الشباب تحت سن 20 لكرة القدم والناشئين تحت سن 17 بالأحياء نشاط الشباب تحت إدارة اتحاد الكرة السوداني، والناشئين تحت إدارة المحليات وخلق منافسات دورية بين المحليات. تنشيط ودعم الدور والمنتديات الثقافية والترفيهية في الأحياء وإعادة النشاط الثقافي الرياضي المسمى الدورة المدرسية، بصورة أكثر جدية.. إعادة النشاط الرياضي والعسكري للمدارس من مرحلة الأساس إلى الثانوي كما كان في الماضي، وذلك بالدعم الكامل للمعدات الرياضية والعسكرية كما كان في الماضي عندما ترسل هذه المعدات في تزامن مع معدات الدراسة من كتب وكراسات وخلافها. ما تقدم أو جزء منه قد يبدو مناداة ساذجة أو سطحية، لكن الواقع يقول فيه ذلك، معظم النار من مستصغر الشرر، شرر الشباب دائماً يبدأ صغيراً، خاصة إذا كان هذا الشباب خاملاً، عاطلاً، مهملاً ومحبطاً. آخر مطالب الشباب- وكانت القاسم المشترك في ثورات تونس، مصر، وليبيا هي الفساد خاصة من القلة الحاكمة وأسرها، بدت للشباب كمعلومات تسربت غير مؤكدة، تأكدت تماماً بعد زوال الأنظمة.. عليه ثورات الشباب القادمة تحتاج ولن تسعى لتأكيد معلومات الفساد بعد زوال الأنظمة. والله الموفق