عُقدت اجتماعات وجلسات ثنائية وجماعية بين أحزاب المعارضة للنظر في حكومة ما بعد (9) يوليو وانتهاء شرعية الحكومة، ولكن يبدو أن العملية ليست سهلة وأكثر ما يعقدها عدم اتفاق قوى الأحزاب على موقف موحد- هل الحوار مع النظام أو رحيله والخروج عليه، وحتى الأخيرة لم يتم الاتفاق حول موعد محدد لها، فهناك من يرى ضرورة الخروج الفوري، وآخر ضرب مواقيت متباينة ما بين الثامن أو الحادي والعشرين والسادس والعشرين من مارس. أما الحوار فهذا شأن آخر.. الوطني لا يريد أن يجعل الحوار مفتوحاً يشمل كل القوى، وبالتالي أصبح لها عينان عين مع الحوار وعين مع التغيير، ومن لم تحاور اختارت درب الخروج والإسقاط.. تراهن تارة على الشباب وأخرى على الشارع بكل مكوناته مستعدة «في كلا الحالتين» للتحرك نحو إطلاق الشرارة الأولى. هل المعارضة لم تعِ حتى الآن النفسية السياسية السودانية مبدأً وتوازناً بين مطلوبات المرحلة والخيارات المتاحة.. وكيف سيكون المشهد التالي.. الشارع: لن تتقدم المعارضة، لأنها تتوعد الحكومة لتصفية حسابات سلطوية مع الوطني لا دخل للمواطن بها.. و هكذا عبَّر أغلبية من استطلعهم «آخر لحظة» بالشارع حول استعدادهم للقيام بثورة شعبية وإسقاط النظام، تضجراً من سياساته وليس نزولاً عند رغبة وطموحات المعارضة، وقالوا: إن الوطني والمعارضة لا خير فيهما، كلاهما يستهين ويستفز المواطن. وتسعى المعارضة لتأجيج حربها مع الوطني دون الولوج في خسائر، دافعةً بالمواطن- فقد حياته أم لم يفقدها رهناً لذلك- ريثما تتحقق الغلبة وتأتي لتعتلي كرسي السلطة، ولا تترحم حينها على من قدم نفسه. وقال بعضهم إن خرجنا سنخرج لقضايانا، وإن توفرت لا يهمنا من يحكم، فيما يرى آخرون أن العقبة الماثلة ليست فيمن يقود التغيير وإنما من يصلح لقيادة الدولة بعد التغيير. وهناك من أبدى استعداده للخروج و يقول لن اتقدم ولكن أشارك، مبدياً استياءه من الوطني، ويقول للمواطن جمائل كثيرة على الحكومة أقلها صد هجوم خليل وصبر لأكثر من «20» عاماً في إرساء دعائم دولة قوية، وبعد كل ذلك لا يذكر المواطن من قريب أو بعيد ولا نيِّة لديها لرد الدين. حزب الأمة: لهم عين على الحوار مع الوطني وعين مع أحزاب المعارضة كما يبدو من الوهلة الأولى، أي مع التغيير إدانة لذلك، كما يسميها زعيمهم القوى الناعمة -الشباب- وتارة أخرى يبعث نداءات أو ربما إنذارات للنظام بإجراء إصلاحات استباقية كي لا يتعرض لموجة الديمقراطية التي انتظمت البلدان العربية، وتارة أخرى يبدي تمسكه بالأجندة الوطنية التي طرحها ويلوح حال عدم الالتزام بها من شأن ذلك أن يدخل البلاد في مظاهرات موسعة. في ذات الوقت تنادي مسؤولة التعبئة بقوى الإجماع الوطني د. مريم الصادق المهدي ومساعد الأمين العام للاتصال التنظيمي بحزب الأمة بضرورة العجلة في إسقاط النظام بعد سقوطه الاخلاقي- كما ذكرت- وأن الصبر عليه بات أمراً مستحيلاً، وأبدت تأييداً أسمعت به الدنيا للخروج في المسيرات التي ستطلقها أحزاب المعارضة خلال مارس الجاري، وفي ذات الوقت تقول إنها مع تغيير النظام ولكن بأقل الخسائر. وبين الفينة والأخرى نقرأ تصريحات لمسؤولين في الوطني يؤكدون تتطابق الرؤى بينه وبين حزب الأمة على طرحه حكومة ذات قاعدة عريضة، بينما الآخر يجدد نفيه. المؤتمر الشعبي: حزب المؤتمر الشعبي يرى حتمية المواجهة مع النظام وإسقاطه عبر ثورة شعبية، وأن حوار الأمة مع الوطني لا يعنيه في شيء، ويقول إن هذا أنسب وقت لإسقاط النظام، وعلَّه يثير في الشعب ويعبئه بذات إستراتيجيته القديمة إزاء حكم الرئيس الراحل جعفر نميري، سلكوا ذات الطريق وأعلنوا نواياهم وإن أخفوا ما أبعد ذلك - بعد سقوط النظام- أقوالهم لم تتغير وإلى حد ما أفعالهم، قناعاتهم أن الدعوة إلى حكومة ذات قاعدة عريضة أضحت بضاعة بائرة، وأن النظام لا يصلح معه إلا البتر حتى «الترقيع» على حد قول مقرر مجلس الشورى بالشعب بارود صندل قد مضى أوانه. تارة أخرى يقولون لنا شروط للتفاوض مع النظام، حسب اعتقادهم ليست شروطاً تعسفية، يقولون على ما يبدو للمراقب على الشارع في إسقاط النظام يقودونه ويدبرون الأمر إن شاءوا، ولكن يتقدمهم ذاك الشارع إلى الميدان. البعثيون: قالوا إنهم قد حددوا موقفهم من النظام منذ 1989 واعتبروا مجرد حل الأزمة لم يزدها الا تعقيداً.. وفي 2005 جددوا رفضهم له ونادوا برحيله، وتسليم السلطة لآخرين أكثر تأهيلاً.. أولئك البعثيون يرفضون كل ما هو مطروح بدءاً من حكومة ذات قاعدة عريضة وعروجاً على حكومة قوية وأجندة وطنية، لا يجدي برؤيتهم حوار أو حلول وسطية، هي برأيهم سلطة انتقالية بعد استقالة الرئيس البشير وتسليم السلطة للشعب، وإن لم يوضحوا موقفهم في الخروج أو التوقيت. الحركة.. وأحزاب أخرى: ترى حتمية الخروج وتشكيل أوسع جبهة لمجابهة النظام وأساليبه لا سيما التعذيب والاعتقالات، ولكنها على ما يبدو تسعى لتغيير النظام من الخارج بعد دعوات الأمين العام للحركة الشعبية قطاع الشمال ياسر عرمان إطلاع منظمات دولية وبمعاونة السودانيين بالخارج على انتهاكات الوطني، ولكنها أيضاً لم تقل هلموا للخروج وأنا معكم. حزب العدالة الأصل رفض مبدأ الحوار مع النظام، ويقول سئمنا الحديث والاختصاصات في المواقع المغلقة.. وطالب بالخروج وعدم إهدار الوقت في مساجلات، لأنه حسب رؤيتهم أن حال هذا النظام لن ينصلح، لافتاً من أن خطبهم في المنابر ما هي إلا مجرد وقفات تعبوية ستتكرر حتى يتهيأ الشارع للخروج.. إذن هو أيضاً يعول على الشارع ولن يقدم شهداء وتضحيات. أما حزب المؤتمر السوداني فكان في عجلة من أمره وحزم عصاه في السادس والعشرين من مارس الجاري تيمناً بذات اليوم الذي يدير فيه الثوار تحركهم ضد نظام الراحل نميري، ويقولون إنهم مهيئون وجاهزون منذ «20» عاماً، ولم يحدد ما إذا كانت هذه الجاهزية تُنسب لحزبه أم أحزاب المعارضة أم الشارع. إبراهيم نقد سكرتير عام الحزب الشيوعي لم يذكر خلال ثاني اعتصام منظم لقوى المعارضة مطالبته بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وعلى رأسهم الترابي زعيم الشعبي، بدا بعيداً عن خط الاعتصام وعرج إلى جوبا وعودة الجنوب للشمال مرة أخرى..؟ رئيس الهيئة العامة لقوى الإجماع الوطني والناطق باسمها فاروق أبو عيسى دوماً ما يردد حق المواطن في التظاهر وفق الدستور، ويسرف في دعواته للخروج ضد النظام معولاً على الشباب، وحسب تصوراته أن ثورة كبيرة سيحدثونها تجلب مستجدات واسعة وتغيير أوسع في الخارطة السياسية السودانية، ويقول إن ما قام به أولئك الشباب في 30 يناير ما هو إلا بروفة لعرض التغيير. شباب من أجل التغيير حسموا أمرهم ربما واضعين بداية النهاية لحكم المؤتمر الوطني في الحادي والعشرين من الشهر الجاري، لم يربطوا المناسبة بشيء ولكنها تصادف ربما عيد الأم وربما أرادوا أو لم يريدوا أن تثكلهم أمهاتهم، هم يرفضون إضاعة الوقت في الحديث والسرد والتبريرات.. ويقولون من أرادنا فليلحق بنا في الشارع.. وذلك المشهد الآن من سيطلق الشرارة الأولى في هذا المشهد الثاني والذي ربما تبحث عنه أحزاب المعارضة.