لم تكن هناك فرصة لالتقاط الانفاس في الخرطوم مساء الاثنين الأول من أمس، وقد عدت إليها في وقت متأخر بعد رحلة قصيرة، عميقة الدلالات إلى ولاية جنوب دافور ضمن الوفد المرافق للسيد نائب رئيس الجمهورية الاستاذ على عثمان محمد طه، في زيارة اعتبرها تاريخية بكل المقاييس. برنامج الرحلة كان مزدحما والزيارات متتابعة دون انقطاع حتى انني تذكرت مقولة الامام الشهيد حسن البنا (ما أكثر الواجبات ...وما أقل الأوقات) ... وقد بدأت زيارة السيد نائب رئيس الجمهورية الاستاذ على عثمان محمد طه إلى ولاية جنوب دارفور صباح الأحد واستمرت حتى مساء الاثنين، لكنها كانت زيارة مشحونة بالبرامج المترابطة مثلما هي مشحونة بالعواطف الحارة وصلنا إلى مطار نيالا صباح الأحد ، وانطلقنا منه في ذات الوقت نحو مدينة كاس بالطائرات العمودية وكان حظ الكثيرين من أعضاء الوفد أن يكونوا ضمن ركاب طائرة هيلوكبتر تابعة للقوات المشتركة اليوناميد وقد وصلنا إلى كاس قبل وصول الطائرة العمودية الرئاسية التي تقل السيد نائب الرئيس بربع ساعة تقريبا، وزرنا مدرسة بنات اساسية تم تزويدها بأجهزة الحاسوب وتمت تغذيتها بألواح الطاقة الشمسية التي تحيل الحرارة إلى طاقة كهربائية ضمن مشروع كبير وضخم لانارة عدد من قرى دافور بالطاقة الشمسية، يتم التركيز خلالها على إنارة المسجد والمركز الصحي ومركز الشرطة، والمدرسة والمرافق المهمة، وقد فسر لي ذلك وجود الدكتور عيسى بشرى وزير العلوم والتقانة ضمن وفد السيد النائب، وكان الدكتور عيسى مهتما بملفات هذا المشروع الضخم، الذي يشغل الدولة على مستوى الرئاسة فتهتم به، ويشغلها على مستوى الولاية فيهتم به الدكتور عبد الحميد موسى كاشا، والي ولاية جنوب دارفور ، وأعضاء حكومته ويهتم به بصفة أشد الأستاذ على محمود عبد الرسول وزير المالية الاتحادي ووالي جنوب دارفور السابق، وابن رهيد البردي التي اذهلتنا لدى استقبالها للسيد نائب رئيس الجمهورية، في ثاني ايام الزيارة، لقد أخرجت خمسة ألاف فارس على صهوات الجياد ليكونوا في واجهة المستقبلين وأخرجت حوالي الألفين من الأبالة وأكثر من اثني عشر ألف مواطن ومواطنة من أبناء رهيد البردي التي يبلغ عدد سكانها حوالي الثمانية عشر ألف مواطن، ومن بقية أنحاء المحلية التي يتجاوز عدد سكانها الثلاثمائية ألف نسمة. في كاس وعند أول لحظات وصولنا تذكرت الزعيم الكبير الراحل المقيم الشيخ أبو منصور، وهو من قدامي البرلمانيين ضمن منظومة النواب الاتحاديين إبّان قيادة الزعيم الأزهري - رحمة الله- للحزب الاتحادي الديمقراطي تذكرته لأن آخر مرة التقيت به كانت في كاس قبل نحو خمس سنوات، وكان من قيادات المؤتمر الوطني في المنطقة لكنه عاد الى الحزب الاتحادي بعد عودة مولانا محمد عثمان الميرغني للبلاد، وسأله أخي الاستاذ الهندي عز الدين عن أسباب عودته للاتحادي فقال بتعبيرات جادة عبارة وجدت انني استشهد بها أكثر من مرة وهي انه اذا كان الابن يعيش مع خالته في غياب والدته فانه لا معني لذلك اذا عادت الأم. الرحلة مثلما ذكرت قبلا - عظيمة الدلالات ممتعة ومتعبة وعميقة الأثر على النفس، لكنني اتبعت ذلك التعب بأخر حيث لم يغمض لي جفن بعد العودة للخرطوم وغادرت بعد ساعات إلى أديس أبابا تلبية لدعوة من اللجنة الاقتصادية لإفريقيا التابعة للأمم المتحدة والتي تعمل على تنظيم الاجتماع المشترك لوزراء المالية والاقتصاد بدول الاتحاد الإفريقي ومؤتمر اللجنة الاقتصادية لإفريقيا الدولي لوزراء التخطيط الاقتصادي ولهذا قصة أخرى لها وقتها... ولكن عظمة الزيارة لدارفور تتطلب المتابعة.