انضم إلينا فى الموقع الذى كنت أعمل فيه بالخارج أحد الأساتذة من بلد عربي شقيق فى وظيفة معنية بالشأن الثقافي وكان مكتبه يجاور مكتبي كنت ألاحظ أنه يحمل معه يومياً وبصورة راتبة حقيبة أنيقة متوسطة الحجم . كنت أدخل الى مكتبي طليق اليدين لأنى لست فى حاجة الى أن أحمل معى الى المكتب أى شئ إذ داخل موقع العمل تتوفر الصحف والطعام والمشروبات الساخنة والباردة . احسنت الظن بالزميل إذ ربما طبيعة وظيفته تقتضى أن يستعين بمراجع ومصادر تعينه على أداء وظيفته أو أن هناك بعض الملفات تقتضى أن يعكف عليها بعد ساعات الدوام الرسمي . ذات يوم دعانى هذا الزميل الصديق بعد أن توثقت العلاقات وزاد الإطمئنان الى أن أتناول فنجان شاى فى مكتبه ولبيت الدعوة لأن جو العمل يقتضى أن يتآلف الزملاء ويعرف بعضهم البعض وتفاجأت بعد دخولى مكتبه بسر الحقيبة الأنيقة التى تبعثرت محتوياتها أمامى فى لحظة بحث عن ما اندس فى دهاليزها الكثر . أخرجت الحقيبة طماطم - خيار - خس - كرافس - بصل أخضر من النوع الرقيق - تونا - بيض - خبز- عصائر - تفاح - موز . لم ينزعج صديقي من اعادة هذا الحقل الأخضر والبيت المحمى الى حقيبته وتناولت معه الشاى وكان يقدم منحة فى موقع العمل على حساب الجهة التى نعمل فيها وخرجت الى مكتبى وتأملت فى أيدي السودانيين الطليقة وأيدي بعض الأشقاء أسيرة الحقائب فالسودانيون لايحملون المأكولات وإن توفرت فى منازلهم الى مواقع عملهم ويجعلون تناول الإفطار وإن خالف هذا الطعام الشروط الصحية أو خالفت محتوياته مايجلب الضرر الى بعض أصحاب الأمراض المزمنة أو ذلك النوع من المرض الذى تهيجه التوابل والزيوت التى يطهى بها طعام المطاعم العامة والشعبية . هذه الثقافة السودانية فى الإقبال على مواقع بيع الطعام والمأكولات والمشروبات هى التى أدت الى أن تكون هذه المواقع هى الأكثر إرتياداً ففى كل يوم يفتح فى شوارع ولاية الخرطوم مطعماً سياحياً أو شعبياً ويلاحظ أن مقاعد هذه المطاعم تجدها كل مقاعدها مشغولة حتى تلك التى تستخدم البنابر والبروش وصناديق المشروبات الغازية بديلاً للكراسي. ومرتادو هذه المطاعم من جميع الفئات والطبقات وبدت ظاهرة خروج الأسر الى الفنادق والمنتزهات لتناول الطاعم فيها حتى وإن وجد بأفضل منها فى منازلها ولكنها لحظات تعيد الأسر الى الألفة والمودة التى أثرت عليها طبيعة الحياة اليومية العصرية التى ربما لاتتيح للأسرة أن تجتمع على مائدة واحدة فى مواعيد وجبة الغذاء التى كان السودانيون لعهد قريب يحرصون على أن تجمع أفراد الأسرة جميعهم . فى عقود ماضية ولقلة الطعام الذى كان يعرض للبيع والذى كان تراه بعض قيم المجتمع التكافلي عيب ونقص فى أهل المنطقة التى تبيعه كان بعض المسافرين بالقاطرات التى يقضى فيها المسافر اليومين والثلاثة ويتم تناول هذه الزوادة بين جميع المسافرين ولايستأثر بها صاحبها ولايحرم منها من لازوادة له فى القاطرات أو البصات وحتى ركاب الدرجات العليا فى القطار « النوم والدرجة الأولى » التى كانت ادارة المرطبات بالسكة حديد تلحق عربة كاملة تسمى « السناطور » تجهز فيها الزوادة والتى كان العاملون فى السناطور ومعظمهم من منطقة معروفة فى شمال السودان يتضايقون من هذه الكرتونة ويسخرون من ركاب هذه الدرجات الذين يتفادون السناطور . حكى لى جدى أن أحد عمال السناطور زجره فى أول سفرية له بالقطار عندما اكثر من طلب الماء البارد الذى كان يتوفر لركاب الدرجات العليا ضمن خدمات قيمة التذكرة قائلاً له « ياعمنا فى حاجات تانية فى السناطور غير الموية مش مرة واحدة تقول عايز حاجة ماباردة مالك عايز تكون لينا زى عمدة .... سافر معانا كتير مرة واحدة ماطلب كباية شاى» .