لم يكن قول الشيخ المك بإنهم ناموا نومة أهل الكهف في برنامج النهضة الزراعية وبرنامج النهضة الصناعية، وناموا أيضاً في تنمية الصادرات غير البترولية هو ما يثير التعليق في حواره مع الإهرام اليوم.. أقرأ مثلاً رده على خصخصة الشركات الحكومية، حيث أنها 700 شركة فيها جزء غير موجود (على الأرض)، وجزء منها موجود وفعَّال، لكنها بلا عائد وليست لديها مساهمات في الميزانية العامة بل وعليها ديون.. على أن أخطر ما قاله أن هناك شركات تتبع لمراكز قوى وهذه المراكز متمسكة بهذه الشركات. كثيراً ما نجد إشارات على المستوى غير الرسمي وفي تجمعات مناسبات الأفراح والاتراح حول وجود مراكز قوى.. الآن فقط الحديث مؤكد، لكون أن من نطق به هو من كان بشغل منصب الوكيل الأول لوزارة المالية، وعليه يصبح التعامل مع المعلومة على اعتبار أنها حقيقية وواقعية، وأيضاً لكون أن المالية وبالأخص مكتب الوكيل هو من يمسك بدفاتر ومستندات هذه الشركات. وحقيقة أن تصفية الشركات الحكومية أصبحت أصعب من إجراءات تعديل الدستور نفسه.. فالحكومة اتخذت هذا القرار ليس من قبل ثلاث سنوات كما ذكر الشيخ المك، بل أن برنامج الخصخصة يمثل أهم ركيزة قام عليها البرنامج الثلاثي للإنقاذ الاقتصادي بداية التسعينيات.. من من القراء يتذكر مقرراته، ففي ذلك المؤتمر أقر برنامج كامل لخروج الدولة من ممارسة النشاط الاقتصادي، بالتخلص من الشركات العامة وخرجت العديد منها، لكن هذا العدد كان جله من الشركات التي كان من المفترض ألاَّ تتخلص منه الحكومة، بمثل ما حدث لسودانير والأسواق الحرة.. وفي المقابل استمرت العديد من الجهات في التمدد في السوق، فظهرت شركات لجهات رسمية ليس من بين مهامها الدخول في التجارة والاستثمار، بل أن هذه الجهات (دعوني من ذكر اسمها) بدأت تمتلك أفران الخبز ومزارع الدواجن والبيض. لنا أن نتصور شركات بحجم 700 شركة حكومية تتمتع بامتيازات لا تستطيع الحصول عليها نظيراتها في القطاع الخاص.. وفي نفس الوقت تأخذ فصلها الأول من ميزانية الحكومية.. شركات مليئة بالديون من رأسها إلى أخمص قدميها.. رؤساؤها (الفوق) من مجلس إدارة إلى مدير عام يستأثرون بمرتبات ومخصصات وسكرتيرات ومكتب تنفيذي وتذاكر سفر.. يجوبون العالم لأسباب تتعلق بالشركات، لكنها في الواقع لا تخرج عن سياحة عامة... حضور مؤتمر بناء وترقية كذا.. أو ندوة تطوير فن الإدارة والتسويق أو للقاء مجموعات عمل كذا.. أو لنقل تجربة كذا.. هناك قصة حول نقل التجربة كان قد ذكرها مدير الضرائب الأسبق.. قال إنهم عند الشروع في تطبيق الضريبة على القيمة المضافة اقترح أن يقف فريق من الديوان على تجربة باكستان، وعندما ذهب هذا الفريق بالفعل إلى باكستان وجدوها لا تطبق نظام القيمة المضافة. الشاهد في الموضوع ما أن (تهيج) الحكومة في أمر الشركات العامة وتشن الحرب التصريحاتية لاغلاقها، فإن من المؤكد هناك جهات مركزية أو ولائية تتأهب لانشاء المزيد. كل أو معظم التجاوزات المالية والإدارية موجودة في ال 700 شركة (الميري)، ومعظمها أو كلها لا يستطيع ديوان المراجع أن يدق أبوابها لاجراء المراجعة، ومعظمها أو كلها بلا مراجعة داخلية، وإن وجدت فهي حبيسة الأدراج.. ومعظم أو كل موارد ال 700 شركة هي أموال سائبة بعيدة عن ولاية وزارة المالية، وبشهادة وكيل المالية وإن كان في خانة (الأسبق). تمنيت لو أن الشيخ المك أوضح حجم الخسائر الذي يقع على دولة جراء وجود هذه الشركات كم تكلفتها الإدارية.. وحجم مرتباتها.. والفاقد من الضرائب والجمارك والرسوم بسبب الاعفاءات والامتيازات الممنوحة لها.. وكم حجم التمويل والاستلاف الذي تحصلت عليه من البنوك وعجزت عن السداد.. وما حجم الخسائر المادية والمعنوية على الشركات المماثلة لها في السوق جراء منافسة غير عادلة.. وكم هي الشركات الخاصة التي صفت أعمالها على خلفية ذلك السؤال: ما مراكز القوى وأين هي حتى يمكن التخلص منها كخطوة أولى للتخلص من شركات خاسرة؟.. المشكلة أن نسبة كبيرة من شركات الحكومة تتبع لوزارات أو لحكومات الولايات حيث تخضع تعيينات قياداتها العليا وكبار موظفيها للجهات التي تقوم بإنشائها دون الرجوع لمعايير التشغيل والمحاسبة.. كل الشركات المملوكة بالكامل لوحدات حكومية أو التي تسهم فيها الحكومة بنسب محددة تعاني فوضى عارمة بداخلها، أنظروا فقط إلى شركة الصمغ العربي أو ليس هي من أسباب خروج السودان من سوق الصمغ العالمي.. ثم دونكم سودانير، أما ما بطن من الشركات فالله أعلم إلى أين ستقود اقتصادنا. أعتقد أن رئاسة الجمهورية من يستطيع القضاء على مراكز القوى وحل الشركات الحكومية وتصفيتها بقرار.. ومن ثم فلتأت الإجراءات.. هي رئاسة الجمهورية وليست وزارة المالية.